كانت لافتة الكلمة التي وجهها مرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، بمناسبة يوم النوروز، والتي نقلت “وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء”، النص العربي الكامل لها، في موقعها الإلكتروني، 21 مارس الجاري؛ حيث لم يتطرق خامنئي إلى ذكر الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل بالاسم، أو توجيه إشارات سلبية ضدهما، أو هجاء المنظومة السياسية الغربية!
“الاقتصاد” كان لُبَ الكلمة الرسمية ومحورها. ولذا، أشار آية الله خامنئي إلى أن “أهمّ قضيّة مطروحة أمام الشعب في 1401 كانت اقتصاد البلاد، الذي يرتبط مباشرة بمعيشة الناس”.
لم يكن الاقتصاد هو الألوية في السنة الهجرية الشمسية المنصرمة 1401، وحسب، بل اعتبره المرشد حجر الزاوية في العام الجديد كذلك، عندما قال: “أعتقد أنّ قضيّتنا الرئيسيّة في 1402 هي أيضاً قضيّة الاقتصاد”.
أبعد من ذلك ذهب خامنئي، عندما أقر علانية بوجود معضلات عميقة تحتاج إلى علاج جذري، قائلاً: “مشكلاتنا ليست قليلة، ولدينا مشكلات متنوعة في المجال الثقافي والسياسي، لكنّ القضيّة الأساسيّة والمحوريّة لهذا العام أيضاً هي الاقتصاد”.
غيابُ الشعاراتية!
عندما حضر “الاقتصاد” غابت اللغة الثورية، ولم يكن لشعار “الموت لإسرائيل” أو “الشيطان الأكبر” حضورٌ في الكلمة الرسمية بمناسبة عيد النوروز.
مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، فضلاً عن عدم هجائه “الغرب”، أشار له بوصفه صاحب “اقتصاد قوي”، وأنه رغم المشكلات التي يعاني منها، إلا أنهم “يبذلون المساعي لحلّها”، مضيفاً “علينا كذلك أن نبذل الجهود ونعمل، وعلى المسؤولين أن يبذلوا المساعي”.
خامنئي تطرق لتراكم الأزمات الاقتصادية العالمية، فقد جاء في كلمته ما نصه: “اليوم يعاني كثير من دول العالم، ولعلّه يُمكن القول إنّ كلّ دول العالم تواجه أزمات اقتصاديّة خاصّة، حتّى تلك الدول الثريّة وذات الأنظمة الاقتصاديّة القويّة والمتقدّمة، وهم غارقون حقّاً في مشكلات ومعضلات كثيرة”.
المعاناة المشتركة!
يسعى المرشد من خلال التركيز على نقاط الالتقاء في كلمته، إلى القول إن المعاناة المعيشية ليست أمراً خاصاً بإيران وحدها، بل جميع الدول لديها هذه “المرارات” بنسبٍ مختلفة، تبعاً لقوة الاقتصاد ومستوى الدخل القومي وقدرة الحكومات على إيجاد الحلول. وهو بذلك بقدرِ ما يوجه رسالة للشعب، بأن الحكومة الإيرانية ليست نشازاً عن البقية، وأنها لا تتحمل المسؤولية وحدها عن أزمة عالمية، إلا أنه في كلمته كرر الطلب من المسؤولين العمل على إيجاد الحلول، مشدداً أنه “لا بدّ للجميع هنا أن تتركّز جهودهم على دعم الإزالة لمشكلات البلاد والناس، فهذه الإزالة تكون أحياناً عبر الأنشطة الاقتصاديّة الأساسيّة كالإنتاج وهو نشاطٌ متجذّرٌ في الاقتصاد، أي الإنتاج عملٌ أساسي في الاقتصاد، وكذلك عبر الأعمال الإنسانيّة والإسلاميّة من قبيل المواساة والمساعدات الشعبيّة والتعاون الشعبي مع الطبقات الضعيفة في المجتمع”.
تبدلُ الخطاب!
بقدرِ ما لدى المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي من خطابِ نضاليَّ وأفكارٍ ثورية – تبشيرية، بقدرِ ما يدرك لخبرته السياسية ومركزه الدقيق، أن الشعارات الثورية والقيم الدينية وحدها لا يمكن أن تدير دولة، ولا أن تصلح اقتصاداً يعاني من مشكلات، ولذا، فإن تبدل اللغة السياسية يشي إلى تبدل في أنماط التفكير، قد يقود مستقبلاً إلى إحداث تغيرات بنيوية أعمق، إذا ما وجد الساسة الإيرانيون أن المنهج الجديد ستكون له فوائد اقتصادية وسياسية مغرية، وإذا ما عملوا على الاستفادة منها في تنويع الاقتصاد وتقليص مستويات التضخم والبطالة.
الكلمة المرتكزة على “الاقتصاد” في النوروز، إلى أي مدى يمكن القول إنها تشير إلى أن “تغيير المسار”، بحسب تعبير الكاتب الإيراني أمير طاهري، الذي تساءل في مقال له: هل تحاول قيادة إيران تغيير مسارها أم أننا نشهد مجرد تكتيك جديد؟
طاهري وفي مقالته التي نشرتها صحيفة “الشرق الأوسط”، 24 مارس الجاري، رأى أنه “توحي جميع هذه التحركات الدبلوماسية بتهميش دور «فيلق القدس»، الذي كانت له تحت قيادة الجنرال الراحل قاسم سليماني سيطرة حصرية على السياسة الإيرانية، فيما تطلق عليه طهران «غرب آسيا»، بدلاً عن الشرق الأوسط”.
هذا التهميش بحسب وجهة نظر طاهري، دفع المرشد الأعلى علي خامنئي إلى الاستعانة بـ”شخصيات لطالما ارتبطت بالفصيل المنافس الذي تزّعمه علي أكبر هاشمي رفسنجاني”، حيث “جرى تكليف كمال خرازي وعباس عراقجي، اثنين من الدبلوماسيين الذين عملوا تحت قيادة رفسنجاني والرئيس محمد خاتمي، بمهمة أصعب تمثلت في العمل على فك ارتباط إيران بالمستنقع السوري، من دون تعريض موقف بشار الأسد للخطر في أجزاء من البلاد تخضع لسيطرته الاسمية”.
هذه السياسات الجديدة إلى ماذا قد تشير، هل تعني أن خامنئي وبعد سنوات عدة وبسبب ما شهدته إيران خلال الثلاثة أعوام المنصرمة، توصل إلى أن أنجع الطرق وأقلها كلفة هو نهج رفيق دربه الراحل هاشمي رفسنجاني، رئيس الجمهورية الذي أضعفه التيار المتشدد، وعمل على محاصرته وتشويه سمعته، في الوقت الذي كان رفسنجاني أكثر السياسيين الإيرانيين – ما بعد الثورة – دهاء وبرغماتية وقدرة على فك العزلة الإقليمية عن إيران!
الأيام وحدها كفيلة أن تكشف إذا ما كان “تغيير المسار” مؤقتاً، أم هو سياسة تراكمية ستقود إلى تغليب منطق الدولة على شعارات الثورة!