وكأن الاحتجاجات المستمرة في فرنسا على رفع سن التقاعد إلى 64 عاما، وعلى الغلاء وارتفاع الأسعار لا تكفي، حتى انضاف إليها مؤخرا غضب كبير داخل الجامعات، وذلك بعد ثبوت تورط وزيرة التعليم العالي السابقة في الترويج لمعطيات خاطئة أضرت بمصالح الجامعات الفرنسية.
فقد كشفت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية -في تقرير لها- عن أن الوزيرة السابقة فريديريك فيدال لم تطلب أبدا رسميا فتح تحقيق في جميع الأبحاث والدراسات وضبط كل ما له علاقة بما سمته وقتها “تيار اليسار الإسلامي”، على عكس ما كانت قد صرحت به داخل البرلمان.
وفي فرنسا، يُستخدم مصطلح “اليسار الإسلامي” للقدح، في دلالة على تقارب أو تأييد شخصيات أو هيئات فرنسية يسارية للمسلمين. وقد أورد هذا المصطلح الكاتب بيير أندريه تاغيف عام 2002، ثم استخدمه كثير من السياسيين اليمينيين في حربهم على خصومهم الفكريين والسياسيين.
اعتراف رسمي
وحسب الصحيفة، فإن مسؤولي وزارة التعليم العالي الفرنسية حاليا بعثوا مارس/آذار الجاري بمذكرة دفاع إلى المحكمة الإدارية في باريس يؤكدون فيها أن الوزيرة فيدال لم تكلف أحدا بمتابعة وتنفيذ أي تحقيق بشأن ما سبق وصرحت به داخل قبة الجمعية الوطنية (البرلمان).
وكانت الوزيرة فيدال قد صرحت لتلفزيون محلي يوم 14 فبراير/شباط 2021 بأنها تدين -ما قالت إنها- “ظاهرة تنخر المجتمع الفرنسي، وأن الجامعة الفرنسية لا تبدو أنها في منأى عنها”، في إشارة إلى “اليسار الإسلامي”.
وكشفت الوزيرة -بعد هذا التصريح بيومين داخل الجمعية الوطنية- عن أنها أمرت بوضع آلية “تقييم لكل البحوث”، من أجل “تمييز ما يتعلق بالبحث الأكاديمي عن كل البحوث التي يسيطر عليها الرأي”.
قضاء
وتتابع المحكمة الإدارية بباريس دعوى 6 أساتذة باحثين ضد الوزيرة السابقة فيدال، بتهمة الشطط في استعمال السلطة.
ونقلت لوموند عن محاميي الأساتذة الستة قولهم إن اعتراف مسؤولي وزارة التعليم العالي الأخير يكشف عن غياب أي مسؤولية سياسية وقانونية، علما أن تصريحات فيدال خلقت “مناخا من التخويف داخل العالم الأكاديمي”، وأسهمت في انتشار “خطاب الكراهية”.
وأكدت لوموند أن تصريح الوزيرة الفرنسية أثار ضجة كبرى منذ صدوره، وهو ما دفع قصر الإليزيه والحكومة لعدم تأييده، في الوقت الذي ثار فيه تجمع رؤساء الجامعات الفرنسية ضده.
كما انتقد المركز الوطني للبحث العلمي (المكلف بإنجاز التحقيق الرسمي) أن الحديث عن اليسار الإسلامي “لا يتطابق مع أي حقيقة علمية”، معبرا عن أسفه على الاستخدام المقصود للعلم والبحث العلمي في جدل سياسي.
وقالت الصحيفة الفرنسية إن المشتكين يؤكدون أن تصريح الوزيرة فيدال، والأجواء التي خلقها، تسبب في وقف عديد من الأبحاث، وفي إلغاء كثير من المشاريع العلمية والثقافية.
وشددوا على أن انتظار الوزارة نفسها سنتين بعد تصريح فريديريك فيدال للتوضيح بأنه لا توجد مسطرة تحقيق، وأن ما جرى لا يعدو أن يكون تصريحا لا تبعات قانونية له، هو عبارة عن سياسة ترهيب تهدف إلى تثبيط ممارسة “المعرفة النقدية”، وتشجيع الخصوم داخل المجال الأكاديمي وخارجه للنيل من سمعة الباحثين.
من جهة أخرى، وصفت صحيفة “ليبراسيون” (Liberation) الفرنسية تصريح الوزيرة السابقة فيدال بـ”الكذبة”، وقالت إن تدمير تلك الكذبة جاء من داخل وزارتها نفسها.