جاكرتا- بعد احتجاجات عاصفة على مشاركة المنتخب الإسرائيلي في كأس العالم لكرة القدم تحت 20 عاما بإندونيسيا، ألغى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) قرعة البطولة التي كانت مجدولة الجمعة المقبل في جزيرة بالي بين المنتخبات المتأهلة للبطولة التي كان من المقرر انطلاقها يوم 20 مايو/أيار المقبل.
قرار الفيفا جاء عقب الرفض الإندونيسي السياسي والشعبي لحضور منتخب إسرائيل إلى البلاد. وقال عضو المجلس التنفيذي في الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم أريا سينولينغا إن سبب الإلغاء هو عدم مشاركة الجانب الإسرائيلي في القرعة، بينما تفرض لائحة الفيفا تمثيل جميع الفرق المتأهلة إلى نهائيات المنافسات، فيما لم يُحدَّد موعد جديد أو مكان آخر لإجراء القرعة.
وأضاف سينولينغا أن اتحاد بلاده المضيف لهذه المنافسة الدولية يسعى لمواجهة هذا الموقف حتى لا تواجه إندونيسيا أي عقوبات ولا تصبح “مبنوذة” على الساحة الرياضية الدولية، وهو يدرك -كما يقول- صعوبة الفصل بين الرياضة والسياسة، مشيرا إلى عدم وضوح مصير هذه المنافسة الدولية التي تستضيفها إندونيسيا لأول مرة في تاريخها.
وأكد المسؤول الكروي الإندونيسي أن اتصالات تجرى مع الرئاسة ووزارتي الخارجية والرياضة في بلاده “لإنقاذ كرة القدم الإندونيسية”. ولا يبدو المسؤول الإندونيسي متفائلا بشأن المقترح الذي طرح بأن يلعب منتخب إسرائيل مبارياته في دولة مجاورة مثل سنغافورة، لأن إندونيسيا عندما تقدمت باستضافة هذه المنافسة لم تتقدم بملف مشترك مع دولة أخرى.
القرار الصعب
وتجد الحكومة الإندونيسية نفسها في موقف صعب سياسيا ورياضيا، وقد سعت جاهدة لكسب هذه الاستضافة تعزيزا لمكانتها رياضيا على الساحة الدولية، لكن تأهل المنتخب الإسرائيلي أوقعها في مواجهة موجة رفض سياسي وشعبي.
وكان إيريك طاهر وزير الشركات الحكومية الذي انتخب قبل أسابيع قليلة فقط لرئاسة الاتحاد الإندونيسي لكرة القدم، قد صرح بأن بلاده تضمن أمن وسلامة أي فريق يصل إلى أراضي إندونيسيا، ولا يؤيد الربط بين الرياضة والواقع السياسي، مشيرا إلى مسعى إندونيسيا لاستضافة منافسات رياضية عالمية أخرى في المستقبل.
إلغاء القرعة جاء بعد أيام من توجيه حاكم جزيرة بالي الإندونيسية وايان كوستير خطابا إلى وزير الشباب والرياضة في بلاده، يرفض فيه حضور الفريق الإسرائيلي للمشاركة في منافسات كأس العالم لكرة القدم في الفترة ما بين 20 مايو/أيار و11 يونيو/حزيران المقبلين، معللا رفضه بعدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين.
هذا الرفض جاء مخالفا للتوقعات، حيث اختارت الحكومة جزيرة بالي ذات الأغلبية الهندوسية والأكثر انفتاحا للسياح الأجانب لتكون مقر إقامة المنتخب الإسرائيلي في المنافسات التي تأجلت في 2021 بسبب جائحة كورونا، من بين 6 أقاليم ستتوزع عليها المباريات وهي جاكرتا وجاوا الغربية والوسطى والشرقية وبالي وسومطرا الجنوبية.
مواقف سابقة
وكان من أول المتحدثين عن هذا الأمر هدايت نور وحيد نائب رئيس مجلس الشعب الاستشاري، حيث دعا وزير الرياضة إلى العمل على رفض حضور الفريق الإسرائيلي، موضحا أن الرئيس الأسبق أحمد سوكارنو منع فريق بلاده من مواجهة إسرائيل عام 1958 في تصفيات كأس العالم، ولم يدع الفريق الإسرائيلي إلى دورة الألعاب الآسيوية عام 1962 في جاكرتا، معتبرا موقف سوكارنو بشأن فلسطين من أسباب شهرته.
ودعا وحيد وزير الرياضة والاتحاد الإندونيسي لكرة القدم إلى الالتزام بما جاء في كلمة وزيرة الخارجية الإندونيسية ريتنو مرسودي في الأمم المتحدة مطلع العام الجاري، حيث دعت دول العالم إلى الوقوف مع الفلسطينيين ووقف المآسي الإنسانية التي تحل بهم، كما ذكر ممتدحا بما انتهجته قطر خلال استضافتها لكأس العالم 2022 من الحفاظ على القيم والمبادئ التي يلتزم بها شعبها، مع نجاحها اللافت في تنظيم البطولة.
حظر التطبيع
ونوّه هدايت نور وحيد بالقرار الذي أصدرته وزيرة الخارجية ريتنو مرسودي في 8 فبراير/شباط 2019 كلائحة تنظّم العلاقات الخارجية والتعاون الدولي للحكومات المحلية المنتخبة في المحافظات والأقاليم والمدن الإندونيسية.
ونصت المادة (150) من القرار على أنه “حتى هذه الساعة ليس لإندونيسيا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتعارض احتلال فلسطين. ولهذا السبب فإندونيسيا ترفض كل أشكال العلاقة معها”.
ويشرح القرار الوزاري -الذي اطّلعت الجزيرة نت على نسخة منه- عددا من الخطوات الملزمِة، ومن أبرزها:
- ليست هناك أية علاقة رسمية بين الحكومة الإندونيسية وإسرائيل على أي مستوى.
- لا خطابات مذيلة بأختام رسمية بين إندونيسيا وإسرائيل.
- لا يُستقبل أي وفد إسرائيلي بأي شكل أو في مكان رسمي.
- لا يُسمح برفع علم إسرائيل أو شعارها، ولا يؤدّى نشيدها الوطني في الأراضي الإندونيسية.
ويضيف القرار بأن “وجود إسرائيل أو حضورها لا يعكس أي اعتراف رسمي بها، وأن مجيء مواطنيها إلى إندونيسيا يكون بجواز سفر عادي، وأن الجهة التي تمنح التأشيرة هي دائرة الهجرة في وزارة العدل وحقوق الإنسان بإفادة خطية من خلال سفارتي إندونيسيا في سنغافورة وبانكوك”.
احتجاجات الشارع
وشهدت جاكرتا خلال الأسبوعين الماضيين احتجاجات رافضة لحضور المنتخب الإسرائيلي، وهدد حراك “الثاني من ديسمبر” المعارض بأنه سيمنع دخول المنتخب الإسرائيلي من مطارات بلادهم، وكانت أولى الاحتجاجات قد نظمت من قبل قوى شعبية وطلابية في مدينة صولو وسط جزيرة جاوا الإندونيسية.
ومع مرور الوقت توسعت دائرة الرفض لتشمل أحزابا من أطياف مختلفة، طالبت جميعها الحكومة بالتفاوض مع الفيفا وإعلامها بالمواقف السياسية والشعبية تجاه حضور منتخب إسرائيل إلى جزر إندونيسيا، ووصل الأمر إلى رفض سياسيين في الحزب الحاكم “حزب النضال من أجل الديمقراطية” بزعامة ميغاواتي سوكارنو بوتري -وهو حزب الرئيس جوكو ويدودو أيضا- مشاركة منتخب إسرائيل في البطولة العالمية.
المحمدية ومجلس العلماء
ووصلت أصوات الرفض إلى جمعية المحمدية، كبرى مؤسسات المجتمع المدني في البلاد، التي دعت الحكومة إلى عدم التقليل من شأن هذا الأمر على أنه رياضي، وضرورة الحفاظ على الانسجام بين كرة القدم وسياسات الدولة.
والموقف ذاته جاء على لسان نائب رئيس المجلس الاستشاري لمجلس العلماء الإندونيسي محي الدين جنيدي الذي اعتبر استضافة فريق إسرائيلي أمرا حساسا بالنسبة للشعب الإندونيسي الذي يدرك حقيقة الاحتلال الإسرائيلي منذ وقت طويل وإلى يومنا هذا.