مراسلو الجزيرة نت
نيودلهي- منذ أن أعلنت رئيسة وزراء الهند السابقة أنديرا غاندي منتصف سبعينيات القرن الماضي حالة الطوارئ لكبح أصوات المعارضة، لم تشهد البلاد أزمة مماثلة لما يحدث حاليا من توتر واستقطاب بين حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي وأحزاب المعارضة.
التوتر شاب العلاقة بين مودي والمعارضة منذ قدومه إلى السلطة في مايو/أيار 2014، إلا أنه تصاعد خلال الشهور الثلاثة الماضية عقب نشر مؤسسة هيندنبرغ الأميركية تقريرها حول شركات الملياردير غوتام أداني في يناير/كانون الثاني الماضي، واتهام شركاته بانتهاج طرق ملتوية وغير شرعية لرفع قيمة أسهمها وتحقيق مكاسب مالية كبيرة.
وأداني أقرب الرأسماليين إلى رئيس الوزراء، واستفاد من هذه العلاقة ليقفز من المركز 609 بقائمة أثرياء العالم إلى المركز الثاني عالميا خلال 8 سنوات فقط من حكم مودي الذي فتح -وفقا للمعارضة- كل الطرق لسيطرة شركات صديقه على سوق الأسهم والاستثمارات واستئجار المطارات والموانئ والاستيلاء على غالبية مناجم الفحم ومنشآت إنتاج الطاقة بل والحصول على عقود وامتيازات ضخمة خارج البلاد.
فضيحة أداني
ظلت علاقة مودي برجل الأعمال هذا تتناقلها الألسن في الهند دون إعلان ذلك، خوفا من بطش الشرطة، إلا أن نشر تقرير “هيندنبرغ” حوّل الأمر إلى حديث الشارع، وأصبحت هذه القضية الأهم داخل البرلمان لمطالبة مودي بإدلاء بيان رسمي حول علاقته بأداني.
وظل نواب حزب الشعب الحاكم ورئيس البرلمان يأوم بيرلا يحاولون عرقلة هذه المطالبات، كما ظل الأخير يشطب من سجلات المجلس ما يقوله زعماء المعارضة بهذا الشأن، وحتى حين تحدث مودي لمدة 1.5 ساعة بالبرلمان في 8 فبراير/شباط الماضي -خلال مناقشة هذه الأزمة- تحدث عن كل شيء ما عدا أداني.
وكان النائب راهول غاندي أبرز من كانوا يهاجمون مودي ويقدمون الأسئلة يوميا بالبرلمان وخارجه، وإلى جانب كونه زعيم أكبر حزب معارض بالبرلمان (51 من مجموع 542 عضوا) فقد اكتسب أهمية غير عادية على المسرح السياسي حين قام بقيادة مسيرة من أقصى جنوب البلاد إلى أقصى شمالها قاطعا 4 آلاف كيلومتر مشيا على الأقدام أواخر السنة الماضية وأوائل الحالية عبر 90 يوما.
وكان واضحا أن غاندي سيستفيد من هذه الشعبية بالانتخابات العامة القادمة التي ستجري في مايو/أيار 2024، وكان زعماء حزب الشعب يسخرون منه باستمرار حتى ذلك الوقت وكانوا يصفونه بـ “الولد السفيه”.
قضية واهية
الأمر لم يتوقف عند السخرية، بل تجاوزه بإحياء قضية واهية أقيمت ضد غاندي قبل 4 سنوات في إحدى المحاكم الصغيرة بولاية كوجرات بحجة أنه أهان الذين يحملون لقب “مودي” حين قال في إحدى خطبه “لماذا كل اللصوص يحملون لقب مودي؟” في إشارة إلى شخصين يحملان هذا اللقب ممن هربا إلى الخارج بعد استدانة المليارات من البنوك.
وبعد إحياء القضية تمت مرافعاتها بسرعة منقطعة النظير في القضاء الهندي المعروف بالبطء الشديد، وصدر حكم المحكمة الابتدائية في 23 مارس/آذار الجاري بسجن غاندي سنتين مع إيقاف الحكم لمدة 30 يوما للسماح لغاندي باستئناف الحكم في محكمة أعلى.
وحسب القانون، يكفي السجن لمدة سنتين لإسقاط عضوية أي نائب برلماني مع حرمانه من حق الترشيح 6 أعوام أخرى، ورغم أن الحكم كان معلقا لتمكين غاندي من الاستئناف، قام رئيس البرلمان اليوم التالي مباشرة بإسقاط عضوية غاندي ومنعه من الترشح بالانتخابات 6 أعوام قادمة رغم أنه لم يستنفد حقه في استئناف الحكم، ولم يصدر ضده حكم نهائي بالقضية.
وكان صمت حكومة مودي وعدم بدء الأجهزة الحكومية المعنية إجراء أي تحقيق في فضيحة أداني ثم محاولة إقصاء زعيم أكبر أحزاب المعارضة، كلها دفعت المعارضة إلى توحيد صفوفها وبدأت لأول مرة تخرج في مظاهرات ومسيرات مشتركة منادية بالتحقيق في فضيحة أداني.
Opposition parliament members, wearing black shirts, protesting against Modi regime inside the Parliament complex for the disqualification of Rahul Gandhi’s parliament membership. pic.twitter.com/ZOGqPC95lT
— Ashok Swain (@ashoswai) March 27, 2023
توحيد المعارضة
ومع توحد المعارضة تحت مطلب واحد وهو التحقيق في قضية أداني، باتت القضية الآن هي الأولى في البلاد وتثار بشكل يومي في البرلمان وخارجه، ويلجأ رئيس البرلمان إلى تعطيل الجلسات يوميا بسبب الصخب الذي يثيره نواب المعارضة كل يوم مطالبين الحكومة بإدلاء بيان حول الفضيحة وبدء تحقيق برلماني أو قضائي حولها.
ولكن حكومة مودي ما زالت تلتزم الصمت التام، فلم تدل ولو بجملة واحدة حول أهم فضيحة في تاريخ الهند الحديث، وعلى العكس تركز على تصريحات غاندي مطالبة إياه بالاعتذار، لتصبح قضية أداني غصة في حلق رئيس الوزراء لا يعرف إلى ماذا ستنتهي.
ويرى مراقبون أن غاندي وحزبه سيستفيدان من هذه الإجراءات الانفعالية، واتحاد أحزاب المعارضة سيجعل من الصعب على حزب مودي أن يفوز بالأغلبية في انتخابات العام القادم، مشددين على أن الأوضاع ستسير إلى الأسوأ للحزب الحاكم لأنه ليس بمقدور مودي أن يتخلى عن صديقه “أداني” ولا يستطيع أن يجري تحقيقا محايدا لأنه سيبرز أن مودي قد خرق القوانين والأعراف لإفادة صديقه.
ويضيف المراقبون أن مودي هو الخاسر سواء حافظ على صمته أو اعترف بعلاقته برجل الأعمال الثري، فالكل في الهند يعلم منذ قدوم مودي للحكم الصداقة بينهما وسط مزاعم من أن أداني يموّل الحملات الانتخابية لحزب الشعب الحاكم.
وحزب المؤتمر، الذي حكم الهند معظم الوقت عقب الاستقلال سنة 1947، لايزال هو الحزب المعارض الأكبر ويحكم حاليا 3 ولايات هي تشاتيس كره وهيماتشال براديش وراجستهان، وله حظوظ جيدة لاستعادة عدة ولايات كبيرة خسرها السنوات الماضية مثل آسام وكرناتكا ومادهيابراديش ومهاراشترا.