منذ بداية ما تسميه موسكو عمليات عسكرية خاصة في أوكرانيا، تباينت آراء الخبراء الروس بشأن ضرورة انسحاب روسيا من جميع المنظمات الدولية.
وأكد تقرير نشره “معهد الإستراتيجيات السياسية والاقتصادية الدولي” الروسي، أن الغرب بعد الحرب العالمية الثانية شكل أيديولوجية “النظام العالمي الجديد”، وأعد إستراتيجية لاستيعاب الاتحاد السوفياتي عن طريق إدماجه في مؤسسات دولية مثل نادي روما.
وأضاف أن جهود الغرب لم تذهب سدى، حيث نجحت في تغيير اعتقادات كبار القادة السوفيات وتحويل فكرة دمج الاتحاد السوفياتي إلى واقع ملموس، حيث أنشئت مؤسسات علمية وفكرية تدرس المشاكل المشتركة للاشتراكية والرأسمالية، في محاولة للترويج لنظرية التقارب مع الاتحاد السوفياتي.
“تعايش سلمي”
وفي إطار الإستراتيجية نفسها، تم التوقيع على قانون هلسنكي الشهير للأمن والتعاون في أوروبا الذي تخلى بموجبه الاتحاد السوفياتي عن مفهوم المواجهة الكاملة بين الكتلتين البارزتين، وأعلن مسارا نحو التعايش السلمي.
ووفق التقرير فإنه عقب قرار تفكيك الاتحاد السوفياتي، لم يدخر الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن جهدا في سبيل التغلغل في جميع المؤسسات الدولية التي أنشئت تحت رعاية الولايات المتحدة، بما في ذلك مجلس أوروبا.
وقد تلا هذه الخطوة اعتماد النخبة الروسية الموالية للغرب إستراتيجيات رسملة تقوم على مبدأ “الاتصالات تحل كل شيء”، على غرار أناتولي تشوبايس، حيث كان استقرار الليبراليين الروس مرتبطا بعلاقاتهم الشخصية مع الغرب التي تأسست من خلال المشاركة في المؤسسات والمحافل الدولية.
وأوضح التقرير أنه رغم تأكيد الغرب ضرورة حضور روسيا في المنصات الدولية من أجل الدفاع عن موقفها، إلا أن المنصات جميعها -باستثناء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة- أصبحت قناة لتجنيد المسؤولين الروس وخلق صراع بين مصالحهم الشخصية ومصالح الدولة.
ومن ثم، فإن ذلك يعني أن استمرار وجود روسيا في المنظمات الدولية التي تسيطر عليها الولايات المتحدة لن يجدي نفعا، لا سيما في ظل تجاهل صوت روسيا واضطرارها في بعض الأحيان إلى التصرف بناءً على أوامر الغرب.
“أحصنة طروادة”
وأشار التقرير إلى ظهور ما سماها “النخبة الكومبرادورية” التي استقرت بشكل تدريجي في البلدان الغربية وروجت لأجندتها داخل روسيا وتمتلك جنسية مزدوجة، واتهمها بالعمل على تعطيل اندماج روسيا مع بيلاروسيا وتقليص الاتصالات مع الصين والهند والدفع نحو التراجع عن تنفيذ الخطوات الحاسمة في العملية العسكرية الروسية.
وقال التقرير إن رفاهية فئة كبيرة من المسؤولين الروس تقوم على استمرارية الوجود ضمن هذه الهياكل، مشيرة إلى أن الأمم المتحدة هي المنصة الوحيدة التي لا تستطيع الولايات المتحدة كتم صوت روسيا فيها رغم اتخاذ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش -بضغط من واشنطن- موقفا متحيزا.
وأكد أن المؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة لا تحظى بأهمية بالنسبة لروسيا كونها لم تقدم لها شيئا، بل على العكس تخلق مشاكل لها وتستغلها الولايات المتحدة بشكل كامل في تنظيم اضطهاد منسق ضد روسيا.
وأوضح التقرير أن انسحاب روسيا من المؤسسات الدولية الموالية للغرب تمليه العديد من الظروف، من بينها أن تلك المؤسسات تشكلت في ظل عالم أحادي القطب، وتحولت من قناة لتنسيق مصالح مختلف البلدان إلى وسيلة تستخدمها الولايات المتحدة للضغط.