خلص مقال نشرته مجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية إلى أن الولايات المتحدة “خائفة للغاية” من العالم متعدد الأقطاب، وأصبحت تسعى جاهدة، من أجل نظام أحادي القطب لم يعد موجودا. وقال إن العالم متعدد الأقطاب يخدم مصالح أميركا أكثر من أي نظام آخر.
استهل كاتب المقال ستيفن إم والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد مقاله بالقول إنه وبمجرد أن انتقلت الولايات المتحدة من ظلمة الحرب الباردة إلى توهجها اللطيف في ما يُسمى باللحظة أحادية القطب، بدأت مجموعة متنوعة من العلماء والمحللين وقادة العالم وروسيا والصين وقادة القوى الناشئة مثل الهند والبرازيل، وحتى بعض الحلفاء المهمين لأميركا مثل ألمانيا وفرنسا يعربون عن رغبتهم في نظام متعدد الأقطاب.
رغبة عالمية واسعة في تعدد الأقطاب
لكن قادة أميركا، يقول والت، لا يتفقون مع الرغبة الواسعة لقادة ودول العالم في إنشاء عالم متعدد الأقطاب، بل يفضلون الفرص الهائلة والمكانة المرضية التي تأتي من كونهم القوة التي لا غنى عنها، ويكرهون التخلي عن موقع الأسبقية بلا منازع.
وأضاف أن أكاديميين بارزين جادلوا بأن قيادة الولايات المتحدة الأحادية للعالم “ضرورية لمستقبل الحرية”، وجيدة لها وللعالم على حد سواء. وأكد الكاتب أنه نفسه أسهم من قبل في هذا الرأي.
ولذلك، يوضح الكاتب، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعمل حاليا بقوة لإلحاق هزيمة عسكرية بروسيا في أوكرانيا، وتجتهد في خنق صعود الصين.
استعادة القطبية الواحدة ربما تكون مستحيلة
وعلق الكاتب بأنه لا يوجد شيء يضمن نجاح هذه الجهود، وحتى لو نجحت، فمن المحتمل أن تكون استعادة القطبية الأحادية مستحيلة، وستنتهي إلى إما عالم ثنائي القطب (الولايات المتحدة والصين كقطبين)، أو إلى نسخة غير متوازنة من التعددية القطبية حيث تكون الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بين مجموعة من القوى الكبرى غير المتكافئة (الصين وروسيا والهند وربما البرازيل وربما اليابان وألمانيا المعاد تسليحهما).
أي نوع من العالم سيكون ذاك المتعدد الأقطاب؟
انقسم منظرو العلاقات الدولية حول هذا السؤال. يعتقد الواقعيون الكلاسيكيون مثل هانز مورغنثاو أن الأنظمة متعددة الأقطاب أقل عرضة للحرب لأن الدول يمكن أن تعيد تحالفاتها لاحتواء المعتدين الخطرين وردع الحرب. ويعتقد الواقعيون البنيويون مثل كينيث والتز أو جون ميرشايمر بالعكس، وبأن الأنظمة ثنائية القطب أكثر استقرارا لأن خطر سوء التقدير منخفض فيها، وبأن المرونة المتأصلة في النظام متعدد الأقطاب تخلق قدرا أكبر من عدم اليقين وتجعل من المرجح أن تعتقد إحدى القوى الثانوية بأنها قادرة على تغيير الوضع الراهن قبل أن يتحد الآخرون لإيقافه.
وبعد أن استعرض الكاتب بعض آراء المنظرين في هذا المجال، أدلى برأيه الشخصي الذي يقول إن تعدد الأقطاب جيد بالنسبة للولايات المتحدة، شريطة أن تدرك التداعيات وتعدل سياستها الخارجية بشكل مناسب.
وقبل استعراض رأيه، يدعو الكاتب الجميع إلى إدراك أن القطبية الأحادية لم تكن جيدة بالنسبة للولايات المتحدة، فقد ركزت فيها واشنطن على خنق العديد من الدول الصغيرة، وتضمنت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وحربين أميركيتين مكلفتين وغير ناجحتين في نهاية المطاف في العراق وأفغانستان، وبعض السياسات غير الحكيمة التي أدت إلى عدد من الدول الفاشلة، وأزمة مالية غيرت السياسة الداخلية للولايات المتحدة بشكل كبير، وظهور الصين ذات الطموح المتزايد.
التعددية القطبية تخدم مصالح أميركا
يقول الكاتب في دفاعه عن فائدة التعددية القطبية لمصالح أميركا إنها تخلق عالما تحتوي أوراسيا فيه على عدة قوى رئيسية متفاوتة القوة. من المحتمل أن تنظر هذه الدول إلى بعضها بحذر، خاصة عندما تكون قريبة جغرافيا من بعضها. وهذا الوضع يمنح الولايات المتحدة قدرا كبيرا من المرونة لتعديل تحالفاتها حسب الحاجة، تماما كما فعلت عندما تحالفت مع روسيا الستالينية في الحرب العالمية الثانية وعندما أصلحت العلاقات مع الصين الماوية خلال الحرب الباردة.
وأضاف أن القدرة على انتقاء الحلفاء المناسبين واختيارهم هي العنصر السري لنجاحات السياسة الخارجية السابقة للولايات المتحدة: فقد منحها موقعها كقوة عظمى وحيدة في نصف الكرة الغربي “أمنا حرا” لم تمتلكه أي قوة عظمى أخرى، وجعلها حليفا مرغوبا فيه بشكل خاص كلما ظهرت مشكلة خطيرة.
واستمر يقول إنه في عالم متعدد الأقطاب، ستتحمل القوى الكبرى الأخرى بشكل تدريجي مسؤولية أكبر عن أمنها، وبالتالي تقليل الأعباء العالمية التي تتحملها الولايات المتحدة. وستعمل الهند على بناء قوتها العسكرية مع نمو اقتصادها، وتعهدت اليابان المسالمة بمضاعفة إنفاقها الدفاعي بحلول عام 2027.
استعدوا لعالم متعدد الأقطاب
وأوضح أنه حتى لو كانت لتعدد الأقطاب سلبيات للولايات المتحدة، فإن محاولة منعه ستكون مكلفة وربما لا طائل من ورائها. ولذلك، وبدلا من الانخراط في جهد لا طائل من ورائه لدحر عقارب الساعة إلى الوراء، يجب على الأميركيين البدء في الاستعداد لمستقبل متعدد الأقطاب.
وأضاف أيضا أنه، من الناحية المثالية، سيشجع عالم التعددية القطبية غير المتوازنة الولايات المتحدة على الابتعاد عن اعتمادها الغريزي على القوة الصارمة والإكراه وإعطاء وزن أكبر للدبلوماسية الحقيقية.
وختم بالقول بافتراض بقاء الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بين غير المتكافئين في نظام متعدد الأقطاب، ستكون واشنطن في وضع مثالي لتلعب القوى الكبرى الأخرى ضد بعضها، ويمكنها أن تسمح لشركائها في أوراسيا بتحمل المزيد من عبء أمنهم.