“آخر ما تريده واشنطن -في ظل احتدام الحرب بأوكرانيا والحديث عن حرب محتملة مع الصين- هو التورط في مستنقع الشرق الأوسط من خلال الدخول في حرب طويلة مع إيران”
نشرت مجلة “ناشونال إنترست” (The National Interest) مقالا رأى كاتبه أن الضربة الإيرانية التي استهدفت قاعدة عسكرية أميركية في شمال سوريا وأسفرت عن مقتل متعاقد أميركي وإصابة 6 جنود أعادت مجددا السؤال بشأن أهداف الوجود الأميركي في سوريا.
وأبرز كاتب المقال الدكتور علي دميرداس أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تشارلستون الأميركية والباحث في برنامج فولبرايت أن الأهداف المعلن عنها رسميا وفق تصريحات مسؤولين أميركيين تراوحت بين “مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية” و”احتواء ودحر النفوذ الإيراني في البلاد وحماية إسرائيل”.
وقال دميرداس إن تلك الأهداف قد تبدو مشروعة، لكن الطريقة التي تعمل بها الولايات المتحدة على تحقيقها تمثل إشكالا بحد ذاتها، وستؤدي إلى مزيد من المشاكل، ليس فقط بالنسبة لواشنطن بل للمنطقة بأسرها.
حجة واهية
ورأى دميرداس أن إصرار واشنطن على إبقاء قواتها البالغ عددها 900 جندي في سوريا بدعوى “احتواء خطر تنظيم الدولة الإسلامية” حجة واهية، فالتنظيم يشكل تهديدا مباشرا للدول والجهات الإقليمية الفاعلة أكبر بكثير من التهديد الذي يشكله لواشنطن.
وخلال فترة حكمه ركز تنظيم الدولة هجماته ضد الشيعة في العراق وسوريا، مما جعل منه عدوا رئيسيا للرئيس بشار الأسد في سوريا وعدوا لإيران ووكلائها الشيعة في المنطقة، حسب ما يقول الكاتب.
وقد لعبت المليشيات الموالية لإيران مثل الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وسوريا دورا كبيرا في إلحاق الهزيمة بالتنظيم.
لذلك، فإن إصرار واشنطن على البقاء في سوريا بدعوى “احتواء داعش” حجة واهية، فتلك مهمة تقوم بها أطراف عديدة في المنطقة تعتبرا التنظيم تهديدا وجوديا لها وتقتضي مصالحها القضاء عليه.
أخطاء وتدخل مرتبك
ويقول دميرداس إن أميركا ارتكبت سلسلة من الأخطاء في سوريا خلال عامي 2014 و2015 أدت إلى تقويض علاقتها مع حليف ثمين هو تركيا، كما أدت أيضا إلى وجودها غير المبرر في سوريا، ففي ذروة نشاط تنظيم الدولة بسوريا فشلت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما في تبني خطة واضحة للقضاء على التنظيم وإسقاط الأسد.
وبدأت الوكالات الأميركية المرتبكة في دعم مجموعات معارضة لكل منها أجندات مختلفة، فقد دربت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قوات المعارضة السنية الموالية لتركيا ممثلة في الجيش السوري الحر الذي كان هدفه الرئيسي الإطاحة بالأسد ومحاربة تنظيم الدولة.
كما دعم البنتاغون وحدات حماية الشعب الكردي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني العدو اللدود لتركيا، والذي كان هدفه الأساسي محاربة تنظيم الدولة، ثم الحصول على حكم ذاتي وإقامة دولة مستقلة داخل سوريا.
فوضى عارمة
وبحلول عام 2015 كانت خطة واشنطن في سوريا في حالة من الفوضى العارمة، فقد انقلب الجيش السوري الحر ووحدات حماية الشعب ضد بعضهما بعضا رغم أنهما استمرا في قتال تنظيم الدولة، كل على حدة، فيما كانا يقتتلان فيما بينهما.
وفي العام نفسه قررت واشنطن التخلي عن الجيش السوري الحر السني وركزت على دعم وحدات حماية الشعب، كما تخلت عن فكرة الإطاحة بالأسد حليف إيران، وتزامن هذا القرار مع تقارب إدارة أوباما مع طهران.
ووفق مقال دميرداس، فقد مهدت تلك الفوضى لدخول روسيا على خط الصراع السوري، حيث قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -الذي رأى ضعف الخطط الأميركية وغموض أهدافها- التدخل لحماية مصالح بلاده وإنقاذ نظام الأسد.
وقد أدى التدخل الروسي إلى حملات إبادة جماعية انتقامية ضد المعارضة السورية المناهضة للأسد ومقتل عشرات الآلاف من المدنيين، بعضهم قضوا في الهجوم الكيميائي سيئ السمعة عام 2017.
ما الجديد الآن؟
يرى الكاتب أن واشنطن حريصة على إبقاء قوات محدودة في سوريا لحماية وحدات حماية الشعب ومواجهة إيران، وهو ما سيأتي بنتائج عكسية من وجهة نظره.
كما يرى أن آخر ما تريده أميركا -في ظل احتدام الحرب في أوكرانيا وتزايد الحديث عن حرب محتملة مع الصين- هو التورط في مستنقع الشرق الأوسط من خلال حرب لا نهاية لها مع إيران.
ويقول إن على الولايات المتحدة مراجعة إستراتيجيتها في الشرق الأوسط، والخروج من سوريا كما فعلت في العراق عندما ألغى مجلس الشيوخ تفويض الحرب هناك.
وخلص دميرداس إلى أن على واشنطن بدلا من استفزاز تركيا حليفتها في الناتو التي تعتبر قوة محلية رئيسية -وذلك من خلال الدعم غير المشروط الذي توفره لعدو أنقرة اللدود حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب- أن تستفيد من النفوذ العسكري والسياسي التركي في الشرق الأوسط وفي منطقة القوقاز والبحر الأسود.