القاهرة- بين عشية وضحاها، وجد آلاف المصريين أنفسهم ضحايا عملية نصب مبتكرة، أو “مستريح” جديد، في صورة تطبيق إلكتروني يسمى “هوغ بول” (HOGG POOL) نجح في نهب ملايين الجنيهات.
و”هوغ بول” هو الأحدث في سلسلة تطبيقات انتشرت في الأشهر الأخيرة وأوقعت المصريين في شراكها بعد إيهامهم بتحقيق أرباح هائلة ومضاعفة أموالهم خلال أيام، وذلك إضافة إلى تطبيقات أخرى لمنح قروض فورية تعمل على اختراق أجهزة المستخدمين وابتزازهم.
وخلال أشهر معدودة، نهب التطبيق الجديد 19 مليون جنيه، وفق التصريحات الرسمية، وعدة مليارات حسب الضحايا، لتتبخر أحلام الآلاف في الخروج من ضائقة مالية أو في الثراء السريع، ولم يبق لهم إلا الحسرة على أموالهم أو ممتلكاتهم التي باعوها أو الديون التي اقترضوها وصاروا عرضة للمطاردة والفضيحة والسجن، وسط أنباء عن وفاة أحد الضحايا نتيجة الصدمة.
“مستريح” إلكتروني
يُطلق لقب “المستريح” في مصر على كل من ينصب على المواطنين بحجة استثمار أموالهم وتشغيلها مقابل أرباح شهرية كبيرة، نسبة إلى قضية نصب شهيرة وقعت قبل أعوام.
وبالطريقة التقليدية نفسها، استطاع تطبيق “هوغ بول” استدراج ضحاياه من المصريين بعد أن أوهمهم باستثمار أموالهم عن طريق شراء آلات رقمية لتعدين العملات المشفرة مثل “البيتكوين” تدر عليهم أرباحا يومية تختلف وفقا لقيمة الآلة التي يتم شراؤها.
ومنذ إطلاقه في أغسطس/آب الماضي، استطاع التطبيق جذب آلاف المستخدمين الذين كانوا -بدورهم- يقنعون آخرين بالاشتراك لزيادة أرباحهم.
وبداية مارس/آذار الجاري، فوجئ المستخدمون بإغلاق التطبيق بعد الاستيلاء على ملايين الجنيهات، لتنهال البلاغات على الأجهزة الأمنية التي أعلنت لاحقا القبض على 29 شخصا -بينهم 13 يحملون جنسيات أجنبية- كانوا يقومون بإدارة التطبيق.
كلمة السر “الطمع”
“كانوا يطمّعوننا بطريقة غير طبيعية، فقررت أن أغامر وأستدين للمشاركة في هذا التطبيق”، هكذا اختصر الشاب العشريني أحمد محسن (اسم مستعار) كيفية سقوطه ضحية عملية نصب تطبيق “هوغ بول” الذي تعرف عليه خلال بحثه عن عمل على الإنترنت.
وكانت البداية بمبلغ يسير قيمته 200 جنيه (تعادل 10 دولارات داخل التطبيق رغم أن سعر الرسمي للدولار يتجاوز 30 جنيها)، أودعه عبر إحدى المحافظ الإلكترونية، ليحصل الشاب على دولار واحد يوميا، ويقرر زيادة المبلغ إلى 1600 جنيه، ليحصل على ربح يومي قدره 4 دولارات.
وفق رواية محسن للجزيرة نت، كان القائمون على مجموعات الواتساب الخاصة بالتطبيق يدفعوننا لجلب مزيد من المستخدمين للحصول على أرباح أكبر، بينما تنهال المنشورات التي توضح مكاسب المشتركين، وصور الحفلات التي تقام تحت شعار “هوغ بول”.
وبين نصيحة قريب أو إغراء صديق أو جار، أخذ عدد ضحايا التطبيق يتضاعف، خاصة مع زعم مشرفي التطبيق العمل بشكل رسمي داخل البلاد، ونشرهم صورا لترخيص شركة بالاسم نفسه صادر من وزارة التموين والتجارة الداخلية.
تخطيط جهنمي
بداية النهاية كانت يوم 25 فبراير/شباط الماضي، إذ أعلن التطبيق عرضا خاصا يومي 25 و26 فبراير/شباط لشراء صندوقين بقيمة 200 أو 400 دولار، مقابل الحصول على ربح يعادل 5 أضعاف المبلغ المدفوع خلال 5 أيام.
ويوضح محسن أن العرض الجديد كان مغريا جدا “وخشيت أن تضيع مني الفرصة، وطمعت في المكسب المنتظر”، ليقوم باقتراض 4 آلاف جنيه من والدته و8 آلاف من صديق لشراء الصناديق الجديدة ووعدهم بتسديد الأموال خلال أيام.
يقول الضحية إنهم “لعبوها بذكاء”، موضحا أن التطبيق يخصم رسوما قدرها 15% من المبلغ المسحوب إلا إذا كان السحب في اليوم الأول والأخير من الشهر، لذا قرر معظم الضحايا الانتظار لليوم الأخير من فبراير/شباط لسحب أموالهم.
تأخر تحويل الأموال، وبدأ المستخدمون في التذمر قبل أن يتوقف التطبيق والموقع ويختفي المسؤولون، ليوقن الآلاف أنهم وقعوا ضحية عملية نصب مُحكمة.
إغراء وحسرة
لا تختلف رواية محسن عن روايات أغلب الضحايا، فالبداية واحدة؛ إغراء من صديق أو قريب، وطمع في مكسب سهل، والنهاية حسرة ومصير مجهول، خاصة لمن استدانوا أموالا طائلة لا يعرفون الآن كيف سيقومون بسدادها، وطلب معظمهم عدم ذكر أسمائهم الصريحة خشية الفضيحة أو مطاردة الدائنين.
اختلفت قيمة الخسارة وطريقة الحصول على الأموال سواء بالاستدانة أو بيع الممتلكات، فإبراهيم وأخوه خسرا 48 ألف جنيه، بينما كانت خسارة ياسر سعيد فادحة وتجاوزت 60 ألف جنيه استدان معظمها. وفي حسرة، تقول آية التي خسرت 15 ألف جنيه -لمراسل الجزيرة نت- إنها لا تعتقد أنها ستستعيد أموالها.
تحذيرات ولكن
وقبل أيام قليلة، حذر مدير الأمن السيبراني في شركة “سيكيوريتي” المختصة في أمن المعلومات محمد عبد الباسط النوبي من تطبيق “هوغ بول”، ونشر على صفحته بفيسبوك شكوكه حول عمل التطبيق بطريقة الاحتيال الشهيرة “مخطط بونزي” (Ponzi scheme).
ويوم 21 فبراير/شباط الماضي، نشر اليوتيوبر محمود سعد، المتخصص في تقديم نصائح في مجال التعدين الرقمي، مقطع فيديو مفصلا عن التطبيق يؤكد أنه احتيالي ووراءه عملية نصب كبيرة.
مسلسل مستمر
لم يكن تطبيق “هوغ بول” هو الأول في النصب الإلكتروني على المصريين، ولا يبدو أنه سيكون الأخير، فحسب اعترافات مسؤوليه أنهم كانوا يعدون لإطلاق تطبيق جديد باسم مختلف لمواصلة عملية النصب على المواطنين.
ونوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت السلطات المصرية القبض على عصابة متخصصة في النصب الإلكتروني من خلال تطبيق يسمى “الرمال البيضاء”، وكانت حصيلة عملية النصب مئات الملايين من الجنيهات.
وقبل أسابيع، وقع عدد كبير من المصريين ضحية “مستريح” إلكتروني آخر هو تطبيق “غومفر” (Gomffer)، الذي كان يزعم تقديم خدمة تداول العملات المشفرة عن طريق الذكاء الاصطناعي.
ولم يأخذ غومفر شهرة تطبيق “هوغ بول”، ولكنه على غرار نظيره استولى على ملايين الجنيهات من المصريين واختفى، تاركا وراءه خسائر هائلة.
وإثر ذلك، أصبح الشاب الثلاثيني عادل محمد (اسم مستعار لواحد من عشرات الضحايا من أبناء قرية طموه بمحافظة الجيزة) مهددا الآن بالسجن. وقال إن عشرات من أبناء قريته وضعوا أموالا طائلة في التطبيق بلغت 40 مليون جنيه بعد تجربة بعض الأصدقاء الذين ربحوا كثيرا من ورائه.
ويضيف محمد للجزيرة نت أن “المكسب الكبير أغراني، خاصة بعد أن أعلن التطبيق عرضا يمنح 3 أضعاف المبلغ الذي يتم إيداعه، فبعت ذهب زوجتي واستدنت من بعض المعارف في انتظار الربح الطائل”.
وصل المبلغ الذي يمتلكه محمد داخل التطبيق أكثر من 12 ألف دولار، قبل أن يُفاجأ بإغلاق التطبيق. وفي البداية، ظن أن هناك مشكلة تقنية قبل أن يدرك أنه وقع ضحية عملية نصب، وأن كل ما أصبح يملكه هو لقطة شاشة من داخل حسابه بالتطبيق تذكره بحجم خسارته، ولا يعرف كيف سيسدد الأموال التي اقترضها.
ابتزاز وتهديدات
نوع آخر من النصب الإلكتروني انتشر بشدة في مصر خلال الشهور الأخيرة، ويتمثل في تطبيقات تمنح المستخدمين قروضا فورية، ليبدأ بعدها مسلسل من التهديدات والابتزاز لتحصيل هذه القروض أضعافا مضاعفة.
وتحت أسماء مختلفة مثل “موني لوتس” و”واي واي كاش” و”كاش بيبي” و”كاش آب”، و”كاش بوص” و”لاكي”، و”كاش ماما” و”كاش شاورما”، وغيرها يروج لها بإعلانات مكثفة على مواقع التواصل، تم منح المستخدمين قروضا فورية تصل إلى 100 ألف جنيه، وفق زعمهم.
ولكن ما أن يقوم المستخدم بتحميل التطبيق على هاتفه وإدخال بياناته الشخصية ومنحه أذونات الوصول إلى قائمة الاتصال والصور، حتى يعطيه التطبيق قرضا لا يتجاوز بضع مئات من الجنيهات ويطالبه بالسداد خلال أيام حتى يمنحه قرضا بقيمة أكبر.
يقول موظف المبيعات بإحدى الشركات أحمد عبد الرحيم (اسم مستعار) “هددوني بتشويه سمعتي وكدت أفقد وظيفتي”، في وصفه تجربته مع أحد تطبيقات القروض الإلكترونية التي حصل منها على 500 جنيه فقط كتجربة.
واكتشف الرجل الأربعيني أن التطبيق استولى على قائمة الأسماء الموجودة على هاتفه وبعض صوره، وخلال 3 أيام فقط تعرض لعملية ابتزاز ليدفع المبلغ مضاعفا، وحين أبدى رفضه تعرض للتطاول بأبشع الألفاظ، والتهديد بتشويه سمعته أمام أقاربه وأصدقائه وفي عمله.
وكان عبد الرحيم واحدا من آلاف المصريين الذين وقعوا ضحية لمافيا تطبيقات القروض الفورية، التي أوصلت بعضهم إلى محاولة الانتحار للتخلص من الابتزاز والتهديدات.
ورغم نجاح الأمن المصري نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي في القبض على عصابة كانت تدير بعض هذه التطبيقات، فإن هذه النوعية من التطبيقات لا تزال متاحة للتحميل من داخل مصر عبر متجر “غوغل بلاي” (Google Play)، وتنتشر إعلاناتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يزال ضحاياها يتساقطون يوميا.