هل أصبح الشرخ في إسرائيل أكبر من قدرة الفرقاء على تجاوزه؟ وهل ينبغي أن نسعى للانقسام بدل محاولة تعزيز الوحدة؟ هذا السؤال يعكس مسألة ينظر فيها الآن عدد من المسؤولين الحكوميين السابقين رفيعي المستوى، وتتلخص فيما إذا كان ينبغي إنشاء اتحاد أو تقسيم إسرائيل إلى أقاليم.
بهذا السؤال وهذا الشرح المقتضب، استهلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقريرا جاء فيه أن مجموعة من الخبراء تعكف الآن على دراسة بدائل ممكنة لنظام الحكم القائم.
وقالت الصحيفة في تقريرها إن الذين يعكفون على تلك الدراسة يعرفون حق المعرفة كيف تدار الأمور في الحكومة، ويسعون لمعرفة ما إذا كان بالإمكان إنشاء هيكل جديد وفعال لنظام الحكم.
وأوضح التقرير أن الخبراء ليسوا جاهزين بعد لنشر البدائل التي مازالت قيد البحث، حيث ماتزال في مراحلها الأولى. لكنهم ينوون إيجاد حوار عام حول الخيارات الممكنة لاستبدال نظام الحكم القائم، انطلاقا من إدراكهم أن إسرائيل أصبحت في طريق مسدود على الصعيد السياسي.
صورة قاتمة
وفي فبراير/شباط الماضي، نشر موقع “واينت” مقالا للمؤرخ الإسرائيلي ذائع الصيت، يوفال نوح هراري، أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة، رسم صورة قاتمة للوضع في إسرائيل، اعترف فيه بأنه يفكر في المغادرة للخارج بسبب ما وصفه بانقلاب النظام بحسب تقرير هآرتس.
وكتب هراري في مقاله “ليس لدي كبير شك فيما يريده الطرف الآخر.. إنهم يريدون استئصال الديمقراطية” مشيرًا إلى أن من لا يؤمنون بالديمقراطية قد أصبحوا الأغلبية في إسرائيل.
ورأى أنه “بينما تتخذ الحكومة خطوات حازمة للقضاء على الديمقراطية، هناك حتى الآن أقلية فقط من مواطني إسرائيل تبدي مقاومة حقيقية لذلك. حتى لو لم تنجح محاولة الاستئصال هذه المرة، فسيحاولون مرة أخرى في غضون عامين على الأغلب، وربما بعد 5 سنوات أو 10 سنوات. سيكون النضال طويلاً وصعبًا، ولا يمكن لأحد أن يضمن نتيجته”.
أغلبية متشددة وتراجع اقتصادي
وأشار تقرير هآرتس، الذي أعدته الصحفية ميراف ارلوسوروف، إلى أن خيبة الأمل التي عبر عنها هراري مؤلمة، وأنها تنطلق من فهمه لتضافر جملة من الظروف المدمرة. فقد تأسست إسرائيل على أساس التوازن بين اليهودية والديمقراطية، وهي الآن تخسر ذلك التوازن بسرعة فائقة.
ويرى التقرير أن إسرائيل انقسمت إلى ما وصفه الرئيس السابق رؤوفين ريفلين بـ “4 قبائل” لكن القبيلتين الأسرع نموًا من بينها هم اليهود المتشددون والصهاينة المتدينون الذين لا يُدرِّسون أولادهم مبادئ الديمقراطية، الأمر الذي من شأنه تقويض الأساس الذي تقوم عليه إسرائيل كدولة ديمقراطية ليبرالية وفق تقرير هآرتس الذي أوضح أن القبيلتين الأخريين هما اليهود العلمانيون والعرب.
وتقول الصحيفة إن النمو الديموغرافي السريع لليهود المتطرفين، حيث متوسط معدل الإنجاب لدى النساء 6.5 أطفال لكل امرأة، هو الأعلى في العالم، الأمر الذي يخلف مشاكل عديدة.
فهؤلاء لا يتلقون التعليم اللازم، ولا يساهمون في الاقتصاد، ويستخدمون نفوذهم السياسي لانتزاع الأموال من الدولة مما يسمح لهم بالعيش دون الاضطرار للعمل، الأمر الذي يقود إسرائيل نحو تدهور اقتصادي متوقع.
وأشارت هآرتس إلى أن اليهود المتطرفين سيصبحون ثلث سكان إسرائيل بحلول عام 2060، الأمر الذي ترى فيه الصحيفة تهديدا لاقتصاد إسرائيل “إذ لا يمكن لأي دولة الحفاظ على ازدهارها عندما يكون ثلث مواطنيها يعتمدون على الإعانات بدلاً من العمل”.
“ضرر لا يمكن إصلاحه”
وقالت هآرتس إن خيبة أمل المؤرخ هراري هي جزء من إدراك أوسع لدى عامة الناس بأن إسرائيل تتجه نحو تدمير ذاتها. وحتى وإن تمت عرقلة الإصلاح القضائي غدًا، وتم انتخاب حكومة مخلصة وغير متطرفة، فيمكننا أن نتوقع أن المخاوف بشأن استقرار إسرائيل ومستقبل نظام حكمها الليبرالي لن تختفي.
وأشارت إلى أن الحكومة تحاول أن تصور التقارير المتعلقة بهروب الأموال إلى الخارج على أنها جزء من حملة تخويف، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، وهناك مخاوف حقيقية بهذا الشأن.
وخلصت هآرتس إلى أن الضرر الذي لحق بإسرائيل لا يمكن إصلاحه، وأن الأموال التي غادرت لن تعود أبدا. وتوقعت أن تصبح هجرة الأموال وانتقال الشركات المحلية إلى الخارج، فضلاً عن هجرة العقول، ظاهرة دائمة ومستمرة.