نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالا يسلط الضوء على عقلية المستوطنين الإسرائيليين في فلسطين والتي يرى أنها تعكس الطريقة التي يفكر بها عامة الشعب والحكومة في إسرائيل.
ورأى آفي غارفينكل في مقاله أن تأبينا ألقاه الحاخام اليعازر ميلاميد في جنازة مستوطنين شقيقين قتلا في عملية نفذها مقاوم فلسطيني في بلدة حوارة بالضفة الغربية في 26 فبراير/شباط الماضي ينبغي أن يقرأه كل من يريد أن ينظر عن قرب لما وصفه بـ”الإسرائيلية المعاصرة” ليفهم من أين أتت وإلى أين تتجه.
وأشار إلى الاحتفاء الذي قوبلت به كلمة التأبين حيث نشرتها صحيفة ماكور ريشون (Makor Rishon) الأسبوعية المرتبطة بالصهيونية الدينية واليمين المتطرف في صفحة غلافها خلافا للمعتاد، وصرح مديرها التنفيذي، دورون بينهورن بأن “تأبين الحاخام ينبغي أن يدرّس في المدارس”.
ويعلق الكاتب بأن المدير التنفيذي للصحيفة الناطقة بالعبرية محق فيما ذهب إليه من أن التأبين يستحق أن يدرس لطلاب المدارس، فهو “نص نموذجي، ليس لأنه مكتوب بشكل جيد ومؤثر فحسب، بل لأنه مثال ممتاز على الطريقة التي يفكر بها المستوطنون، والتي أصبحت أيضًا طريقة تفكير عامة الإسرائيليين والحكومة الإسرائيلية بالتأكيد”.
“القتلى اليهود مقدسون”
وقال الحاخام ميلاميد في كلمة التأبين إن “كل يهودي يُقتل لمجرد كونه يهوديا فهو مقدس،” وهذا يعني برأي الكاتب أنه يرى أن السبب الوحيد للهجمات التي ينفذها الفلسطينيون ضد الإسرائيليين هو كراهية غير مفهومة لليهود، ولا علاقة لها بأفعال اليهود أو سلوكهم، أو بشعور من يقومون بها بأن اليهود قد ظلموهم.
ويبرز غارفينكل أن كلمة الحاخام ميلاميد تصور اليهود على أنهم ضحايا فيما تصور الفلسطينيين على أنهم معتدون، “ففي عالم ميلاميد، لا يوجد تجريد للناس من أراضيهم وطردهم منها، ولا وجود لأعمال العنف التي ترتكب ضد الفلسطينيين الأبرياء، ولا الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم، ولا الإذلال الذي يتعرضون له”.
وهو لا يستطيع النظر إلى الهجمات التي يقوم بها الفلسطينيون على أنها انتقام لما ارتكبه اليهود بحقهم، مثلما انتقم اليهود لمقتل الشقيقين اليهوديين اللذين قتلا في حوارة.
ويقول الكاتب إنه “وفقًا للحاخام ميلاميد، فإن مثل هذه الأعمال مدفوعة بعداء محض للسامية، وإن اليهود يقتلون بسبب ديانتهم اليهودية لا غير”. وينبه غارفينكل إلى أن هذا الطرح يعجز عن تفسير الأسباب التي تجعل الفلسطينيين لا يقومون بقتل اليهود في أماكن أخرى من العالم غير فلسطين.
وينتقد المقال تأكيد الحاخام على أن كل يهودي يُقتل بسبب يهوديته يُعتبر مقدسًا، فصيغة التعميم تعني أنه حتى القتلة والمغتصبين واللصوص وغيرهم من المذنبين يرتقون إلى مصاف القديسين فقط بسبب الظروف التي ماتوا فيها، بغض النظر عن الشر الذي ارتكبوه في حياتهم.
وقد وسّع ميلاميد صفة القداسة لتشمل جميع المستوطنين، حيث قال “إذا كان هذا هو ما يقال عن كل يهودي، فمن المؤكد أنه ينبغي أن يقال عن المستوطنين الذين يعيشون في الخط الأمامي للاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)”، وفق مقال هآرتس.
المستوطنون بركة على العرب!
وتطرق المقال إلى فكرة تفوق اليهود التي تسيطر على المتطرفين اليهود في إسرائيل، مشيرا إلى ضرورة أن نفهم أن الشعور بالتفوق لدى هؤلاء اليهود المتدينين شعور أصيل، حتى وإن بدا قمة في السخافة في بعض المواقف، وضرب مثالا على ذلك بما جاء في تأبين الحاخام ميلاميد للمستوطنين القتيلين عندما قال “لم نعد إلى بلادنا لنطرد العرب من ديارهم، بل لجلب الخير والبركة للعالم. ويمكن للعرب أيضا الاستفادة من ذلك”، على حد زعمه.
وفي ختام كلمة التأبين، التي كان عنوانها “نموت ونحتل جبل الهيكل” قال الكاتب إن الحاخام ميلاميد أعاد تكرار عبارات مبتذلة عفا عليها الزمن مفادها أن المستوطنين سيستمرون في عمارة الأرض وتحويل الصحراء إلى أرض خصبة، متجاهلا حقيقة كون كل أعمال البناء التي تجري على الأرض تقريبًا يقوم بها العرب وعمال آخرون من غير اليهود.
وخلص غارفينكل إلى أن المهم الآن هو ما يجري في عالم الحقيقة وليس عالم الكذب، “أي الواقع الذي نعيش فيه والذي يبدو أن الكثير من المستوطنين منفصلون عنه بشكل مقلق”، مشددا على أن ما يحتاجه الإسرائيليون الآن ليس احتلال جبل الهيكل، بل النزول منه بأقصى سرعة.