استبعد ضيوف برنامج “ما وراء الخبر” أن يؤثر القلق الأميركي من مساعي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو -لإقرار قانون الإصلاح القضائي- على مستقبل علاقات البلدين الإستراتيجية، رغم إقرارهم بوجود أزمة “عميقة” بين المسؤولين الحاليين في واشنطن وتل أبيب.
وفي حلقة البرنامج بتاريخ (2023/3/27)، قال المتحدث السابق باسم الخارجية الأميركية السفير بي جي كراولي إن علاقات البلدين وثيقة تستند إلى ركائز إستراتيجية، كما أن لها بعدا سياسيا ينطلق من كون نظام إسرائيل “ديمقراطيا فاعلا”، وهو الأمر الذي برر به الرئيس الأميركي جو بايدن قلق بلاده في محادثاته مع نتنياهو من التعديلات القضائية.
يأتي ذلك على خلفية إعراب بايدن لنتنياهو عن مخاوف بلاده بشأن الوضع في إسرائيل، وعدم اكتراث تل أبيب بالقلق الأميركي من التعديلات القضائية، في الوقت الذي كشفت فيه صحيفة يديعوت أحرونوت عن أن نتنياهو أبلغ واشنطن عن نيته “تجميد التعديلات القضائية” مثار الجدل.
ومساء الاثنين، أعلن نتنياهو -في خطاب بثه التلفزيون الإسرائيلي- أنه سيرجئ التعديلات القضائية إلى الدورة البرلمانية المقبلة، رغبة منه في منع الانقسام في الأمة، وفق قوله؛ “من منطلق الرغبة في منع شقاق في الأمة، قررت تأجيل القراءتين الثانية والثالثة من أجل التوصل لتوافق واسع في الآراء”.
وقال كراولي إن إدارة بايدن وحكومة نتنياهو تمران بعلاقة متوترة؛ فهم ليسوا أصدقاء، إلا أن العلاقات بين البلدين على مستوى المؤسسات قوية، ومن شأنها أن تتجاوز المطبات الحالية، مستبعدا أن يتطور قلق واشنطن بشكل يؤدي إلى إعادة النظر في علاقات البلدين.
ويرى المسؤول الأميركي السابق أن تبديد هذا القلق متروك للقادة الإسرائيليين، فرغم أن الحكومة منتخبة فإن من الضروري اتخاذ إجراءات ترضي الشارع الذي يعبر عن نسبة لا يستهان بها في إسرائيل، والولايات المتحدة تطالب دائما أصدقاءها بالاستجابة لشعوبهم والعمل على حل الأزمات المشابهة بأشكال سلمية وديمقراطية، على حد راي الضيف الأميركي.
وتابع “لا يمكن تجاهل أي خطوات من شأنها إضعاف السلطة القضائية المستقلة، التي هي ركيزة أساسية لأي نظام ديمقراطي، ولذا ستكون للولايات المتحدة مواقف وتعبر عن قلقها إذا رأت نظاما ديمقراطيا يسير صوب الاستبداد بهذه الطريقة”.
لا سبب للقلق الأميركي
في حين يرى الدكتور مردخاي كيدار أستاذ العلوم السياسية بجامعة بار إيلان أنه لا سبب حقيقيا للقلق الأميركي من إسرائيل، واصفا الصراع الحالي الذي تشهده إسرائيل بأنه صراع بين سلطة الكنيست المنتخبة، والسلطة القضائية التي استولت على بعض أمور الدولة، حسب تعبيره، وعلى الجميع الجلوس سويا للتوصل لصيغة يمكن الاتفاق عليها.
ومع إقراره بوجود “أزمة وتوتر” بين نتنياهو والإدارة الأميركية، لاختلاف خلفياتهما السياسية، حيث إن إدارة بايدن تعبر عن حزب ديمقراطي، في حين تشكلت الحكومة الإسرائيلية من حزب محافظ، فإن تل أبيب تنتظر من الجميع احترام الديمقراطية وخيار الناخب الإسرائيلي.
كما أبدى رفضه الشديد لأن يمارس البعض دور الناصح لإسرائيل -في إشارة إلى موقف إدارة بايدن- وقال إن إسرائيل ليست بحاجة لنصيحة أحد، فسياسيوها أعلم بطرقها ودروبها من غيرهم، حتى من أولئك الذين يسكنون في واشنطن، مؤكدا في الوقت ذاته متانة علاقات البلدين، التي تقوم على “آلاف المستويات والمشاريع”، حسب تعبيره.
في حين يرى الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي أليف صباغ أن قلق واشنطن -ومن ورائها القوى الليبرالية في إسرائيل- ليس مبعثه فقط إضعاف إسرائيل عسكريا بأية مواجهة مستقبلية، في ظل استمرار الأزمة، إنما أيضا خشية من فتح الباب أمام “ملاحقة آلاف القادة العسكريين والسياسيين”.
وأوضح -في حديثه لما وراء الخبر- “في الوقت الحاضر المحكمة الإسرائيلية هي التي تشكل القبة الحديدية فوق رؤساء مجرمي إسرائيل، والولايات المتحدة تمثل القبة الحديدية الدولية التي تحميهم، وبالتالي إذا رُفعت ستكون إسرائيل كمن يمشي عاريا، وحينها ستتعرض كل القوى التي قامت بجرائم حرب لمحاكمات دولية”، وهذا ما لا تريده أميركا والقوى الليبرالية في إسرائيل.
ورأى أن ذلك لن ينعكس فقط على الجانب العسكري، بل على العلاقات الدولية والاقتصاد الإسرائيلي، وسيتسبب الأمر في هروب المستثمرين، ومن ثم فإن الولايات المتحدة لها مصلحة في تسوية الخلافات بين أطراف إسرائيل، والإبقاء على الدولة الإسرائيلية قوية ومحتفظة بصورتها الديمقراطية.