قالت “واشنطن بوست” إن روسيا تنشر “أكاذيب مضللة” بشأن برنامج للولايات المتحدة أنشئ في الاتحاد السوفياتي السابق بهدف تعزيز أمن الناس وحمايتهم من الأمراض.
ورأت الصحيفة الأميركية -في افتتاحية لها– أن “حملة التضليل” الروسية حول البرنامج، الذي رحبت به موسكو من قبل وشاركت فيه على مدى 22 عامًا، جزء من “ممارسات التضليل المتجذرة لدى الكرملين منذ عقود” والتي زادت حدتها خلال الحرب الروسية “المدمرة” على أوكرانيا.
بداية القصة
أبرزت “واشنطن بوست” أن البرنامج المستهدف بحملة “التضليل” الروسية معروف باسم “التعاون للحد من التهديد” وأنشئ بعد زيارة لأوكرانيا قام بها الرئيس السابق باراك أوباما (السيناتور الديمقراطي آنذاك من ولاية إلينوي) والسيناتور الجمهوري ريتشارد ج. لوغار من ولاية إنديانا، في أغسطس/آب 2005.
وشملت الزيارة مختبرًا في محطة كييف المركزية للصحة والأوبئة في أوكرانيا. وبدا أن المختبر لم يكن مؤمَنا بشكل جيد، وكانت تحفظ فيه بكتيريا وفيروسات تسبب أمراضا خطيرة.
وقالت الصحيفة إن مسؤولا بوزارة الدفاع الأميركية، يدعى آندي ويبر، أطلع أوباما وقتها على علبة تضم قوارير صغيرة تحمل عينات من عصيات الجمرة الخبيثة، وهي البكتيريا المسببة لمرض الجمرة الخبيثة. وأوردت تعليقا لأوباما جاء فيه “رأيت أنابيب اختبار مليئة بالجمرة الخبيثة والطاعون ملقاة بشكل شبه مقفل وبدون حراسة، وقيل لنا إن تلك المواد الخطيرة لا يمكن تأمينها من دون مساعدة أميركا”.
وقد وقعت أوكرانيا -خلال زيارة أوباما المذكورة آنفا- اتفاقا مع الولايات المتحدة لتأمين مختبراتها وتحديثها.
وبعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 شعرت السلطات الأميركية بقلق شديد من أن يتمكن “الإرهابيون” من الحصول على مثل هذه المواد. وطلب الرئيس الأوكراني حينها، ليونيد كوتشما، من الولايات المتحدة التحقق من أمن المنشآت الكيميائية والبيولوجية في بلاده.
وقد ساهم البرنامج -الذي طور عام 1992 وأصبح يشمل بلدانا أخرى ويعرف باسم “نون-لوغار” (Nunn-Lugar program)- في التخلص من الكثير من إرث الحرب الباردة من الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية التي تعود للاتحاد السوفياتي السابق، وتوسع لاحقا ليشمل الحد من التهديدات البيولوجية في المختبرات الروسية، وكذلك جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الأخرى وفق واشنطن بوست.
تحريف الحقائق
وقالت واشنطن بوست إن برنامج “نون-لوغار” أصبح هدف “حملات التضليل” الروسية المتكررة خلال السنوات الأخيرة. ونظرًا لأن جزءا من تمويله يأتي من “وكالة الدفاع المعنية بخفض التهديدات” التابعة للبنتاغون، فقد ادعت روسيا مرارًا أن أبحاثا عسكرية تُجرى في المنشآت التابعة له.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2009، زعمت “برافدا” الروسية أن “أسلحة بيولوجية يتم تطويرها سرًا على أراضي جورجيا” وتضمّن تقرير الصحيفة ما لا يقل عن 9 ادعاءات كاذبة بهذا الشأن.
وعام 2018، أثارت روسيا موجة جديدة من المعلومات “المضللة” حول المشروع، حيث نشر موقع “ساوث فرونت” (South Front) -المرتبط بالاستخبارات الروسية- في 16 يناير/كانون الثاني وثيقة من 49 صفحة بعنوان “أسلحة البنتاغون البيولوجية” تدعي أن الولايات المتحدة كانت تواصل العمل على إنتاج الأسلحة البيولوجية في مركز لوغار.
وفي سبتمبر/أيلول من نفس العام، ظهر إيغور جيورجادزه، الضابط السابق في “كي جي بي” (KGB) والمسؤول الأمني الجورجي السابق -في مقابلة تلفزيونية بقناة “آر تي” (RT) الروسية- وبحوزته وثائق ادعى أنها تشير إلى أن مركز لوغار “قد يكون غطاء لمختبر للأسلحة البيولوجية” يقوم بتجارب على البشر وفق ما ورد بافتتاحية “واشنطن بوست”.
وبعد فترة وجيزة من تلك المقابلة، قال مسؤول بالخارجية الروسية إن الولايات المتحدة تستخدم الشعب الجورجي “خنازير تجارب”.
كما أعلن الجنرال الروسي إيغور كيريلوف (رئيس قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي) أن مركز لوغار “يختبر مادة كيميائية شديدة السمية أو عاملا بيولوجيا شديد الفتك تحت ستار اختبار علاجات”.
وتقول “واشنطن بوست” إنه بالرغم من أن تلك الادعاءات غير صحيحة، فإنها تصدرت عناوين الصحف والمواقع الإخبارية.
وعندما غزت القوات الروسية أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، استخدم “محاربو التضليل” الروس نفس النهج الذي اتبعوه في جورجيا.
فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 6 مارس/آذار أنها حصلت على وثائق -عن طريق عمال بالمختبرات الأوكرانية- تظهر تدمير مكونات أسلحة بيولوجية تسبب أمراضا خطيرة يوم الغزو.
وقال المتحدث باسم الوزارة إيغور كوناشينكوف إن الوثائق “تؤكد أن مكونات الأسلحة البيولوجية تم تطويرها بالمختبرات البيولوجية الأوكرانية على مسافة قريبة للغاية من الأراضي الروسية”. وقال أيضا إن فيروسات وغيرها من مسببات أمراض خطيرة -من ضمنها الطاعون والجمرة الخبيثة والكوليرا- تم تدميرها لإخفاء تورط الولايات المتحدة.
أهداف موسكو
ترى “واشنطن بوست” أن الكرملين يسعى من خلال المعلومات “المضللة” تلك إلى تصوير الولايات المتحدة وأوكرانيا على أنهما بلدان مجرمان يديران مختبرات حرب جرثومية، الأمر الذي يعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذريعة أخرى لحربه غير المبررة على أوكرانيا.
كما ترمي تلك المعلومات “المضللة” إلى صرف الانتباه عن الهجوم الروسي “الهمجي” ضد المدنيين في أوكرانيا، وفق افتتاحية الصحيفة الأميركية.