قال وزير خارجية ليتوانيا غابرييليوس لاندسبيرغيس إن أصحاب بعض الأصوات التي كانت تشكك في قدرة أوكرانيا على الصمود، وتتوقع أن تسقط كييف بيد روسيا في غضون أيام أو أسابيع على الأكثر، يلوحون الآن بخطط للسلام ويحثون أوكرانيا على قبول تنازلات تقوّض سيادتها وسلامة وحدتها الترابية مقابل موافقة روسيا على إنهاء الحرب.
ورأى وزير الخارجية الليتواني، في مقال نشره له موقع “بوليتيكو” (Politico)، أن “خطط السلام” تلك تعتمد على أساطير سائدة “يجب علينا مواجهتها قبل أن تتحول إلى أمر واقع”.
والأساطير السبع وفق المقال هي:
أوكرانيا غير قادرة على استعادة أراضيها
أبرز لاندسبيرغيس أن أوكرانيا قد فندت الادعاء القائل إنها لا تملك القدرة على استعادة أراضيها، وذلك عندما استعادت بعض الأراضي التي كانت تحت السيطرة الروسية، من ضواحي كييف إلى خاركيف وخيرسون.
ورأى أن الأوكرانيين لديهم الإرادة اللازمة للقتال كما أن لديهم إستراتيجية فعالة لاستعادة جميع أراضيهم، وأن الوتيرة التي يسير بها الدعم الغربي هي التي تعيق قدرتهم على التصرف على نحو أسرع، وتتسبب في زيادة عدد القتلى.
روسيا لا تهزم
وقال وزير الخارجية الليتواني إنه رغم عدم اكتراث روسيا بحياة جنودها واستعدادها لرميهم أمام فوهات المدافع، فإنها لم تستطع بعد سد الفجوة في القدرات بينها وأوكرانيا، حيث إن القوات الأوكرانية تملك معنويات عالية وقادة أكفاء ووسائل تكنولوجية تتفوق على تلك التي يملكها الجيش الروسي.
وقال لاندسبيرغيس “نحتاج أيضًا إلى قبول حقيقة أن الغرب الذي يتمتع بإنتاج من الصناعات الدفاعية لا يزال عند مستوياته في وقت السلم، لم يبدأ حتى الآن استعراض قوته العسكرية الكاملة. فالناتج المحلي الإجمالي لبلدان الشمال الأوروبي ودول البلطيق مجتمعة أعلى من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، ومثل هذه الحقائق هي التي ينبغي أن توجّه إستراتيجية الغرب، وليس رواية موسكو بأنها نِدٌّ للناتو”.
روسيا سترهقها الحرب وتجنح للسلم
يرى لاندسبيرغيس أن الاعتقاد بأن روسيا سترهقها الحرب وتدفعها في نهاية المطاف إلى الموافقة على إبرام اتفاق سلام يجسد أسطورة رابعة، ويبرر ذلك بالقول إن “بوتين غير مستعد للقبول بسلام نزيه ودائم. فهذه الحرب الأخيرة، شأنها شأن حربي 2008 و2014، تغذيها نزعة انتقامية روسية، وعندما يتحدث الشركاء الغربيون عن تسوية محتملة للصراع أو عن تجميده، فإن موسكو لا ترى في ذلك مخرجا من الحرب، بل ترى فيه دليلا على أن الغرب قد أصيب بالإرهاق”.
كما رأى أن الحديث المستمر عن إنهاء الحرب من خلال المفاوضات سيؤدي إلى زيادة تكلفة الصراع بالنسبة لأوكرانيا وحلفائها الغربيين بدلا من تقريب السلام.
وقال إن “تسوية هذه الحرب ينبغي أن تكون في ساحة المعركة، لأن أي اتفاق يمنح روسيا مكاسب حقيقية أو متصورة لن يكون سوى استراحة قبل المرحلة التالية من هذه الحرب”.
القرم خط أحمر لدى بوتين
الأسطورة الرابعة التي تسهم في منع أوكرانيا من الانتصار في الحرب، وفق وزير الخارجية الليتواني، هي تعامل الغرب مع الخطوط الحمراء التي يرسمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
فهو يرى أن بوتين يحب رسم خطوط حمراء باستمرار لإدراكه أن الغرب سيأخذها على محمل الجد، وأن تلك الخطوط تحدّ من قدرة الغرب على اتخاذ القرارات بسرعة. كما يرى أن الحدود المتفق عليها دوليا ينبغي أن تكون الخط الأحمر الوحيد الذي يراعيه الغرب، وأن شبه جزيرة القرم جزء من أوكرانيا، وأن منع كييف من استعادتها لن يثني بوتين أبدًا عن التوق إلى المزيد.
الغرب سيكون عليه التعامل مع روسيا وبوتين بعد الحرب
أما الأسطورة الخامسة برأي الوزير الليتواني فهي أن بوتين وبعض الزعماء الغربيين يراهنون على فكرة أن “روسيا ستظل حاضرة” بعد الحرب، ومن ثم يخططون لعودة العلاقات معها كما كانت من قبل. وهذه الفكرة تنبثق في تصور الوزير من المخاوف السائدة من أن يكون خليفة بوتين أكثر قسوة وسعيا للانتقام منه.
ويقول لاندسبيرغيس إن على الغرب أن ينظر إلى هزيمة روسيا من منظور جديد لا يعدّها فيه تهديدا وإنما فرصة لبناء دولة مختلفة لا تشكل تهديدا لجيرانها.
كل الحروب تنتهي بمفاوضات
يرى وزير خارجية ليتوانيا -في مقاله- أن هذا الادعاء تدحضه وقائع التاريخ، فالدول الأوروبية لم تستعد أراضيها بعد الحرب العالمية الثانية من خلال التفاوض مع النظام النازي، على سبيل المثال.
ويتساءل: “هل سبق أن جلب أي اتفاق لوقف إطلاق النار مع روسيا سلامًا مستدامًا؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يزال الجورجيون ينامون والخوف يساورهم من أن الهجوم التالي سيستهدف حديقتهم الخلفية؟ هل أوقفت اتفاقيات مينسك الحرب أم إنها أعطت روسيا وقتًا للاستعداد لهجوم شامل بدلا من ذلك؟”.
دول البلطيق وبولندا تسعى فقط للانتقام من روسيا
يرى لاندسبيرغيس -في مقاله- أن الحرب على أوكرانيا يغذيها استياء روسيا من انهيار الاتحاد السوفياتي. كذلك يرى أن أجندة روسيا الإمبريالية الانتقامية تمثل تحديًا وجوديا ليس فقط لأوكرانيا ولكن لجميع الدول المجاورة لروسيا بما في ذلك بلده ليتوانيا.
ويقول إن “كل قرار اتخذناه خلال العقود الثلاثة الماضية يتعلق بتوفير الأمن لشعبنا. وعندما حذرنا من مخاطر روسيا اعتُبرنا مثيرين للقلق، لكن ثبت أننا كنا على صواب”.
وفي ختام مقاله، قال وزير خارجية ليتوانيا “نريد سلامًا عادلًا ودائمًا. ولكن إذا أُجبرت أوكرانيا على التسوية فإن ذلك لن يحقق العدالة ولا السلام. وأضاف “لهذا السبب، فإن انتصار أوكرانيا انتصار لنا، وأمنها هو أمننا. والنصر وحده هو الذي سيمنع بوتين من مهاجمتنا مرة أخرى”.