حذر وزير دانماركي سابق من أن العالم يواجه حربا كونية على القيم، ذلك لأن الصراعات المرتكزة على القيم لا تقبل المساومة، ولأن القيم نفسها لا يمكن تجزئتها.
وفي مقال بموقع “ذا ناشونال إنترست” (The National Interest) الأميركي، كتب يورغن أورستروم مولر، وزير الدولة السابق للخارجية الدانماركية، أن الصراعات الكامنة في الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا لن تنتهي على أي حال، لأنها “عالمية، ودائمة”، وستتجاوز كل أنواع الحروب التي اندلعت في العقود الأولى من القرن الحالي.
وأول هذه الصراعات يتمثل في تصميم الغرب على الدفاع عن هيمنته على العالم اقتصاديا وعسكريا وثقافيا. والثاني -وهو الذي يتعذر تحديده بشكل كبير في نظر الكاتب- يكمن في صدام بين منظومتي قيم متعارضين. ويوصف هذا الصدام عادة بأنه صراع “الديمقراطية ضد الاستبداد”، لكن هذه النظرة “غير دقيقة وسطحية”.
قيم إنسانية
ويتعلق هذا الأمر أكثر بالتخلي عن القيم العائلية أو المحافظة عليها كما عرفت عبر آلاف السنين، كما يعتقد مولر الذي يعمل حاليا باحثا في معهد دراسات جنوب شرق آسيا (ISEAS)، في سنغافورة.
ولربما الأصح القول إن الصراع الثاني الكامن في الحرب الأوكرانية ذلك الذي يدور حول ما إذا كان المرء يقبل أو يرفض الجانب العدواني لليبرالية، أو ما يحلو للبعض وصفه -في ثقافتهم الوطنية- بأنه مناهض للنوع الاجتماعي والظلم السياسي.
ويتصادم هذان الصراعان في أوكرانيا لأسباب تاريخية، مما يستقطب الانتباه إلى ما سيحدد لعبة القوة العالمية لفترة طويلة جدا، كما يقول الوزير الدانماركي السابق.
وبحسب المقال، فإن تصاعد قدرات دول مثل الصين ودول أخرى متوسطة الحجم، أدى إلى اضمحلال تفوق الولايات المتحدة التي طالما كانت القوة العسكرية الأعتى في العالم.
حرب هيمنة
وتمثلت هيمنتها الثقافية في وسائل الترفيه، والاتصالات، وشبكات التواصل الاجتماعي التي تتحكم في حياة الناس اليومية في جميع أنحاء المعمورة.
على أن هذا الوضع تنازعه فيها حاليا الشركات الصينية بشكل أساسي دون أن يقتصر عليها وحدها. ومع ذلك، تحاول الولايات المتحدة اتخاذ إجراءات لدرء هذا التحدي.
فعلى صعيد الاقتصاد والتكنولوجيا، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على بيع أشباه الموصلات المتقدمة للصين في محاولة لإعاقة التقدم في تطوير التكنولوجيا الفائقة، لا سيما المتعلق منها بالذكاء الاصطناعي.
وبالمثل، فإن الباب مغلق أمام استثمارات صينية مختارة في الدول الغربية.
حرب على القيم
على مدى العقود الأخيرة، مضى الغرب قدما نحو إجراء تغيير جذري في منظومة قيمه الراسخة المستمدة من المسيحية بتخفيفها أو تعديلها لتبني منظومة قيم مختلفة، كالدفاع عن المثلية الجنسية، ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، مما أدى إلى تكوين بنية عائلية لم يسمع بها على مر التاريخ، وفق تعبير المقال.
غير أن بقية دول العالم لا تحذو حذو الغرب في ذلك. فغالبية الدول خارج المجال الغربي لا تزال متمسكة بالقيم التي توصف بـ”القديمة”، ولعل هذا ما يؤجج أوار الخلاف بين الغرب وباقي العالم.
ويمضي مولر إلى القول إن المشكلة لا تكمن في أن هناك منظومتي قيم، بل إن الغرب يتبنى وجهة نظر مفادها أن نظام القيم “الجديد” هذا يجب أن يتبناه بقية العالم، وهو نوع من الموقف الثقافي “لنهاية التاريخ”.