مراسلو الجزيرة نت
أربيل- فتحت مرحلة ما بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 الأبواب أمام إقليم كردستان لإنشاء البنى التحتية وجذب الاستثمارات الأجنبية ودعم المحلية منها، وهو ما انعكس في إعطاء صورة أخرى مغايرة وأكثر إيجابية عما تمرّ به المحافظات العراقية، لا سيما العاصمة بغداد التي تُعاني من مشكلات متجذرة في الطرق والنقل والمواصلات وقطاع الإسكان وتقديم الخدمات العامة وغيرها.
وتتجلى القفزات المعمارية والاستثمارية وفي مجال البنى التحتية بكردستان في استمرار حكومة الإقليم في توقيع عشرات العقود الاستثمارية وأخرى في مجال استكشاف النفط واستخراجه، رغم قلة الإنتاج النفطي مقارنة مع المحافظات العراقية الأخرى، لا سيما الجنوبية منها.
ورغم أن حكومة إقليم كردستان تمرّ بأوضاع اقتصادية صعبة منذ عام 2014 إثر خلافاتها المالية والسياسية مع الحكومة الاتحادية، فإن الإقليم يعد من المناطق الأكثر أمانًا للشركات الاستثمارية الأجنبية في بلد تُمزقه التجاذبات السياسية والأمنية.
ومن الخطوات التي أسهمت في تعزيز الاستثمار وتشجيعه في الإقليم، تشريع حكومته قانون الاستثمار عام 2006 الذي منح المستثمرين إعفاءات ضريبية لمدة 10 أعوام، فضلا عن توفير الأراضي المجانية للمشاريع الضخمة مع تخفيضات جمركية كبيرة، مما أسهم في جذب كثير من الشركات العالمية للمنطقة، حيث استطاع الإقليم إبعاد مدنه عن الفوضى الأمنية التي عصفت بالعراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003 وسقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
ويتكون الإقليم من 4 محافظات، هي العاصمة أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة، ووفقًا لهيئة الإحصاء بوزارة التخطيط في حكومة الإقليم، فقد بلغ عدد سكانه مطلع عام 2021 أكثر من 6.1 ملايين نسمة، في الوقت الذي قدرت فيه وزارة التخطيط الاتحادية ببغداد سكان العراق لسنة 2022 بأكثر من 42 مليون نسمة.
مشاريع استثمارية
ويقدّر رئيس اتحاد مستثمري كردستان ياسين محمود رشيد -في حديثه للجزيرة نت- مجموع ما تسلمه الإقليم بين عامي 2005 و2014 بنحو 165 مليار دولار، بنسبة 17% من مجموع الميزانية السنوية للعراق.
كما يكشف رشيد عن وجود نوعين من المشاريع التي تم العمل بها في كردستان بعد عام 2003: الأول مشاريع المستثمرين التي نفذت على شكل مقاولات من خلال شركات الاستثمار، وتُقدّر بنحو 5 آلاف مشروع في قطاعات مختلفة، أبرزها الخدمات بمختلف أنواعها، والطرق وبناء المدن الحديثة والجامعات والمعاهد والمطارات وفي الصحة والتربية والتعليم وغيرها.
أما النوع الثاني فهي مشاريع الاستثمار التي بلغت تكلفتها نحو 70 مليار دولار أميركي في 13 قطاعًا مختلفًا، مثل الزراعة والصناعة والسياحة والاتصالات والتربية والتعليم والإسكان والمواصلات والصحة والطرق العامة، في الوقت الذي الذي تشير فيه التقديرات إلى أن مجموع ميزانيات العراق السنوية منذ عام 2003 تجاوزت تريليون دولار أميركي، من دون أن يكون لها أي انعكاس ايجابي على أرض الواقع في ما يتعلق بحياة المواطنين في عموم المدن العراقية خارج الإقليم.
أمنيًا، يرى الخبير الأمني والعقيد المتقاعد عقيل الطائي -في حديث للجزيرة نت- أن الخروق الأمنية وانتشار الجريمة المُنظمة والسلاح المنفلت وتدخل الأطراف السياسية في اختيار قادة أمنيين غير أكفاء في معظم المدن العراقية قابله وضع أمني مستتب في إقليم كردستان؛ الأمر الذي أسهم في تحقيق أهداف الإقليم المرجوة وبفارق كبير عن بقية المحافظات.
أما اقتصاديًا، فمن الأسباب التي جعلت الإقليم بهذه الدرجة من التفاضل مقارنة مع المحافظات الأخرى، وتحديدًا الجنوبية منها، فهو حصوله على استقلاله الذاتي على المستويين الإداري والحكومي بعيدًا عن النظام العراقي بشكل أو بآخر، وفق ما يؤكده الباحث الاقتصادي داؤود الحلفي.
ويضيف الحلفي أسبابًا أخرى، أبرزها حصول الإقليم على امتيازات قانونية خلال كتابة الدستور عبر تحديد نسبة الإقليم في الموازنة العامة للدولة، وهو ما ساعده بعد عام 2005 على بناء علاقات جيدة مع شركات أجنبية استثمارية وعقد اتفاقيات أمنية وإستراتيجية.
ويكشف الحلفي عن نقاط الاختلاف في إدارة الحكم بين الإقليم والمحافظات العراقية الأخرى، بأن الأحزاب في الإقليم تتحكم إداريا واقتصاديا وسلطويا، ورغم وجود الفساد بالإقليم فإنه استطاع استثمار النفط وتوقيع العقود الاستثمارية، وهو ما يبدو مغايرا في مُدن وسط العراق وجنوبه التي تتهم فيها الأحزاب بالفساد والسرقة وعدم المبالاة بالمواطن وحقوقه ومطالبه، بما أدى إلى البؤس والفقر والحرمان من أبسط الخدمات، وفق تعبيره.
اختلاف وتشابه
ويبدو الواقع مختلفًا تمامًا من وجهة نظر الباحث السياسي وأستاذ الإعلام في جامعة السليمانية عدالت عبد الله، إذ يرى أنه لا جدوى في مقارنة واقع كردستان ببغداد، مضيفًا أن “البنية التحية هشة في كلا الجانبين، لا سيما اقتصاديا، لأن الدولة الريعية بطبيعة الحال تعتمد على مصدر أُحادي للموارد، وهو معرض لتحديات جمة، والطرفان متشابهان في هذا الأمر، فليست لديهما مصادر أخرى لإدارة الدولة ومؤسساتها”.
أما عن أوجه التشابه والاختلاف، فإنه ومن الناحية الإدارية يعد الإقليم أفضل حالا إلى حدٍ ما من حيث تنظيم المؤسسات والمرافق الحيوية وإبعاد سيطرة ظاهرة “الدولة العميقة” كما هي سائدة في التجربة العراقية ببغداد، بينما من حيث السلطة التشريعية، فالوضع في بغداد أفضل مما هو عليه في أربيل، وفق عبد الله.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعلل أستاذ الإعلام ذلك بأن مجلس النواب العراقي أكثر قدرة على مراقبة أجهزة السلطة التنفيذية وكشف ملفات الفساد وتشريع القوانين ومراقبة المسؤولين، في حين يتعذر على برلمان كردستان القيام بمهامه الرقابية وتمثيل الشعب والطبقات المجتمعية التي تتدهور أوضاعها يومًا بعد يوم، حتى أصبحت مؤسسة برلمان الإقليم شبه معدومة وغير مؤثرة على الساحة الكردية، حسب تعبيره.