بغداد- صوت البرلمان العراقي فجر اليوم الاثنين على قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات، وذلك بعد جلسة برلمانية استمرت زهاء 16 ساعة متواصلة، حيث اعتمد البرلمان معادلة سانت ليغو النسبية بقاسم انتخابي 1.7، وهو ما كان يرفضه النواب المستقلون والأحزاب الناشئة التي لم تفلح في عرقلة عملية التصويت على القانون، بما يشكل عودة لاعتماد نظام انتخابي شبيه إلى حد كبير بما اعتمد في الدورات الانتخابية السابقة.
وسانت ليغو طريقة انتخابية ابتكرت عام 1912 من قبل عالم الرياضيات الفرنسي أندريه سانت ليغو، بهدف توزيع الأصوات على المقاعد الانتخابية في الدوائر متعددة المقاعد، حيث تهدف لتقليل العيوب الناجمة عن عدم التماثل في الأصوات وعدد المقاعد.
وشهد العراق 6 دورات انتخابية تشريعية، بدأت أولها عام 2005 في انتخاب الجمعية الوطنية التي لم تستمر سوى عام واحد وصولا إلى الانتخابات الأخيرة التي جرت أكتوبر/تشرين الأول 2021، إذ اعتمدت كل دورة انتخابية قانونا وتعديلات معينة، وهو ما ستعرضه الأسطر الآتية:
انتخابات الجمعية الوطنية
شكلت الولايات المتحدة عقب غزو العراق عام 2003 سلطة الائتلاف المؤقت لإدارة الحكم في البلاد، وأصدرت هذه السلطة الأمر رقم 96 لعام 2004 لإجراء انتخابات الجمعية الوطنية، حيث عقدت الانتخابات يناير/كانون الثاني 2005، واعتمدت نظام التمثيل النسبي بنظام القائمة الواحدة واعتماد العراق دائرة انتخابية واحدة.
كما نص أمر سلطة الائتلاف الموقتة على أن يكون عدد أعضاء الجمعية الوطنية 275 عضوا، وأن يكون الانتخاب عن طريق الاقتراع العام السري والمباشر، مع اعتماد الصيغة النسبية “هير كوتا” لتوزيع المقاعد في المجلس الوطني، بما يعني قسمة إجمالي عدد الأصوات السليمة والصالحة على 275، وهو عدد مقاعد الجمعية الوطنية.
قانون انتخابات 2005
لم يستمر عمل الجمعية الوطنية طويلا، إذ كان واجبها تشريع القوانين وتهيئة البلاد لانتخابات تشريعية والانتقال من الحكومة الانتقالية إلى التشريعية، وبناء على ذلك، أصدرت الجمعية الوطنية العراقية القانون الانتخابي الجديد رقم 16 لعام 2005 الذي أُلغيت بموجبه المادة 28 من أمر سلطة الائتلاف رقم 96 لعام 2004.
ونص القانون الجديد على تقسيم العراق إلى 18 دائرة انتخابية وفق عدد محافظات البلاد، حيث اعتمد القانون الجديد عدد أعضاء البرلمان بـ275 مقعدا، على أن يكون 230 مقعدا مقسما على الدوائر الانتخابية، في حين اعتبر العراق دائرة انتخابية واحدة لـ45 مقعدا مع اعتماد نظام التمثيل النسبي والقائمة المغلقة، وإعطاء الحق لعراقيي المهجر بالتصويت، إذ أجريت الانتخابات يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2005.
قانون انتخابات 2010
لم يشهد قانون الانتخابات في هذه الدورة تغييرات جوهرية، وجرى إقرار القانون رقم 26 لعام 2009 بتغييرات بسيطة على سابقه، حيث لم يشمل التعديل نظام احتساب الأصوات مع الاعتماد على صيغة “هير كوتا” الانتخابية النسبية، في حين أضاف التعديل المادة الأولى التي خصصت مقعدا برلمانيا لكل 100 ألف نسمة، مع إضافة نسبة نمو سكاني تبلغ 2.8% لكل محافظة، وهو ما رفع عدد أعضاء البرلمان إلى 325 مقعدا.
كما شمل التعديل تغيير القائمة من مغلقة إلى شبه مفتوحة، بما يعني إمكانية الناخب في اختيار القائمة الانتخابية التي يفضلها، ثم اختيار المرشح المفضل ضمن هذه القائمة، وضم التعديل أيضا تخصيص عدد من المقاعد للمكونات الإثنية في البلاد بواقع 5 مقاعد للمكون المسيحي لمحافظات بغداد ونينوى وأربيل وكركوك ودهوك.
في حين أضيف مقعد برلماني واحد للصابئة المندائيين ببغداد، ومثله للمكون الإيزيدي، وآخر للمكون الشبكي في نينوى، في حين اشترط القانون أن تكون للنساء نسبة 25% من مقاعد البرلمان، وجرت الانتخابات في السابع من مارس/آذار 2010.
قانون انتخابات 2014
شهد قانون الانتخابات تعديلا جديدا عام 2013، ليصبح نافذا تحت الرقم 45 لعام 2013 الذي شمل تعديلات على قانون انتخابات عام 2010، شملت ارتفاع عدد أعضاء مجلس النواب إلى 328 مقعدا برلمانيا، من ضمنها 8 مقاعد للمكونات، 5 منها للمسيحيين والبقية موزعة على الشبك والإيزيديين والصابئة، في الوقت الذي اعتمد فيه التعديل الجديد على نظام التمثيل النسبي كذلك، لكن باعتماد صيغة سانت ليغو النسبية بمعيار 1.6 بديلا عن صيغة “هير”.
كما ضم التعديل اعتماد التكنولوجيا لأول مرة من خلال استخدام البطاقة الإلكترونية وجهاز التحقق الإلكتروني الذي يعمل على التحقق من بيانات الناخب في سجل الناخبين من خلال بطاقة الناخب الإلكترونية، حيث جرت الانتخابات يوم 30 أبريل/نيسان 2014.
قانون انتخابات 2018
لم تشهد انتخابات عام 2018 تعديلات جوهرية في قانون الانتخابات رقم 45 لعام 2013 ليكون التعديل رقم 12 لعام 2018، وتضمنت التعديلات زيادة عدد مقاعد البرلمان بمقعد واحد خُصِص للمكون “الكردي الفيلي” ليصبح مجموع مقاعد البرلمان 329 مقعدا، في حين اعتمد القانون صيغة سانت ليغو النسبية بمعيار 1.9 وهو المعيار الأعلى الذي اعتمد في جميع الدورات الانتخابية.
كما سمح القانون لعراقيي المهجر بالتصويت في 130 مركزا انتخابيا موزعا على 21 دولة، مع الاعتماد على البطاقات الإلكترونية والأجهزة الإلكترونية لتسريع النتائج، حيث جرت الانتخابات يوم 12 مايو/أيار 2018.
قانون انتخابات 2021
لم تستمر الحكومة التي انبثقت عن انتخابات عام 2018 طويلا، إذ اندلعت تظاهرات شعبية حاشدة في بغداد ومدن الوسط والجنوب العراقي تنديدا بالحكومة ومطالبة بالإصلاحات وتعديل قانون الانتخابات، وهو ما حدا بحكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي للاستقالة في ديسمبر/كانون الأول 2019.
عمد البرلمان بعدها لتعديل قانون الانتخابات بفعل الضغط الشعبي، حيث جاء القانون الجديد ليحمل الرقم 9 لعام 2020 الذي كان مخالفا للقوانين السابقة، وذلك من خلال اعتماد الدوائر المتعددة في الانتخابات وتقسيم المحافظة الواحدة لعدة دوائر انتخابية، مع إلغاء صيغة سانت ليغو الانتخابية واعتماد الانتخاب المباشر.
كما ألغى قانون رقم 9 لعام 2020 انتخابات الخارج، فضلا عن الاعتماد على بطاقات الناخب الإلكترونية والبيومترية واعتماد الفرز الإلكتروني لأول مرة في البلاد، وهو ما أدى فيما بعد لاتهامات بتزوير الانتخابات.
ما حيثيات القانون الجديد؟
صوت مجلس النواب العراقي اليوم الاثنين، على قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات، بعد جدل استمر أسابيع بين الكتل والأحزاب السياسية.
وجاء التعديل الجديد معتمدا على تعديل قانون انتخابات عام 2018، بما يعني إلغاء جميع مواد قانون رقم 9 لعام 2020، والعودة لاعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة عراقية، مع اعتماد صيغة سانت ليغو النسبية بمعيار 1.7 وعودة انتخاب مهجري الخارج، فضلا عن اعتماد التعديل الجديد ليكون ساريا على انتخابات مجلس النواب والانتخابات المحلية في المحافظات غير المنتظمة في إقليم.
وأقر التعديل الجديد الاعتماد على نظام القائمة المفتوحة -وليس الترشيح الفردي- وهو ما يراه مراقبون ونواب برلمانيون مستقلون أنه يمثل تكريسا لهيمنة زعماء القوائم ورؤساء الكتل على مخرجات ونتائج هذه الانتخابات، فضلا عن أن العودة لصيغة سانت ليغو بمعيار 1.7 في توزيع المقاعد على القوائم يعني إغلاق الطريق أمام صعود الأحزاب الناشئة والشخصيات المستقلة الفردية، بما يعني إعادة إنتاج الأحزاب والقوى المهيمنة على المشهد السياسي ذاتها، وفق مراقبين.
في حين يرى المؤيدون للتعديل الجديد أنه يضمن توزيعا عادلا للأصوات الانتخابية، فضلا عن الحفاظ على أصوات الناخبين ومنع التلاعب بها من خلال الاعتماد على الفرز اليدوي للنتائج، وعدم تكرار ما حصل في انتخابات عام 2021 التي اتهمتها عديد من الأحزاب بالتزوير.