لندن- ظهرت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان في حالة سعادة بالغة وهي تزور رواندا من أجل وضع حجر الأساس لأول مركز لاستقبال طالبي اللجوء المرحلين من بريطانيا نحو هذا البلد الأفريقي.
وانتشرت صور للوزيرة البريطانية وهي تتنقل في موقع بناء مركز استقبال طالبي لجوء يضم 500 وحدة سكنية وعلامات الفرح بادية على محياها، خصوصا أن حكومة بلادها برئاسة ريشي سوناك رفعت شعار إيقاف وصول قوارب المهاجرين الصغيرة إلى البلاد، وتنظر إلى ترحيل من وصلها كأولوية قصوى.
ورغم كل التحذيرات من عدم قانونية خطوة ترحيل اللاجئين إلى رواندا وأنها لن تكون ناجعة في الحد من وصول اللاجئين عبر القوارب الصغيرة مرورا بالقناة المائية بينها وبين فرنسا، إضافة إلى تكلفتها العالية فإن حكومة سوناك تمضي قدما فيها ومهدت لها بقانون مثير للجدل يسمح لوزارة الداخلية بترحيل أي شخص يصل عبر القوارب ومنعه من تقديم طلب لجوء.
ما أصل الفكرة؟
بدأت فكرة ترحيل اللاجئين إلى دولة أخرى خارج بريطانيا مع وزيرة الداخلية البريطانية السابقة بريتي باتيل التي اعتبرت من أكثر المتشددين في موضوع المهاجرين، ومنذ سنة 2019 بدأت تروج للنموذج الأسترالي في التعامل مع اللاجئين بترحيلهم إلى وجهة ثالثة.
وكان هناك الكثير من الوجهات المقترحة مثل ألبانيا وغانا وجبل طارق وحتى بعض الجزر النائية التابعة لبريطانيا في جنوب المحيط الأطلسي، قبل أن يستقر اختيار الحكومة البريطانية على رواندا.
لماذا رواندا؟
سبق لرواندا أن كانت الوجهة التي اختارتها أستراليا لترحيل اللاجئين، لكن البرنامج لم ينجح بالشكل المطلوب، ومع ذلك فهي تستقبل حاليا أكثر من 127 ألف طالب لجوء قدموا إليها من الكونغو وبوروندي وعدد من الدول الأفريقية، إضافة إلى انفتاح رواندا على مشاريع استقبال اللاجئين مقابل الحصول على التمويل.
لماذا تثير رواندا كل هذه المخاوف؟
يعبر الرافضون لهذه الخطة من جمعيات حقوقية وهيئات حماية اللاجئين عن مخاوفهم من تعرض اللاجئين المرحّلين إلى رواندا إلى انتهاكات حقوقية، حيث سبق لمنظمة هيومن رايتس ووتش أن أصدرت سنة 2020 تقريرا تتحدث فيه عن تعرض أسماء معارضة بارزة معروفة بانتقادها للحكومة الرواندية “للاعتقال والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة والتعذيب في أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية”.
كما نشرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) تقريرا سنة 2021 تحدثت فيه عن تعرض “معارضين للتعذيب وعدد من الانتهاكات الحقوقية التي تحد من حرية التعبير، إضافة إلى لجوء الحكومة الرواندية إلى الإخفاء القسري في بعض الحالات”.
ما مدى قانونية الترحيل؟
حسمت المحكمة العليا البريطانية الجدل بشأن قانونية ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا، وقالت إن هذه الخطوة قانونية ولا يمكن منعها، مع الإشارة إلى أن بعض الحالات سيكون من حقها تقديم طلب الطعن ضد قرار الترحيل.
في المقابل، قضت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية بإلغاء ترحيل عدد من طالبي اللجوء إلى رواندا، وهي المحكمة نفسها التي من المتوقع أن تتدخل من جديد من أجل إلغاء أي عمليات ترحيل جديدة.
كم تبلغ تكلفة هذه الخطة؟
حسب معطيات وزارة الداخلية البريطانية، فإن التكلفة الأولية لخطة الترحيل هي 120 مليون جنيه إسترليني (147 مليون دولار)، وسيتم تقديمها على دفعات إلى الحكومة الرواندية.
لكن الميزانية الحقيقية ستكون أكبر بكثير من ذلك بحيث تشمل مصاريف الترحيل وإجراءات تقديم طلب اللجوء في رواندا، والتي ستصل إلى 12 ألف جنيه إسترليني (نحو 15 ألف دولار) لكل فرد يتم ترحيله.
وحاليا تدفع بريطانيا حوالي 1.2 مليار جنيه إسترليني (نحو 1.5 مليار دولار) سنويا وتشمل نفقات استقبال وإيواء أكثر من 120 ألف لاجئ، وتنفق يوميا حوالي 6 ملايين جنيه إسترليني (نحو 7.4 ملايين دولار) على مصاريف إيواء طالبي اللجوء في الفنادق.
وتبقى تكلفة الترحيل عالية جدا، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالترحيل الإجباري الذي يتطلب تجنيد عدد من رجال الشرطة وسيارات الأمن والتأمين، وهي العملية التي تكلف أحيانا أكثر من 50 ألف جنيه إسترليني (61 ألف دولار)، حسب معطيات وزارة الداخلية البريطانية.
متى سيتم تطبيق هذه الخطة؟
حسب آخر قانون صوّت عليه البرلمان البريطاني، فإن أي شخص يصل عبر القوارب الصغيرة يتم ترحيله مع حرمانه من تقديم طلب اللجوء، وهذا يعني أن الخطة يمكن تطبيقها فورا.
كما أن الحكومة الرواندية تقول إنها مستعدة لاستقبال ألف شخص كدفعة أولى، على أن يرتفع العدد تدريجيا مع تجهيز الوحدات السكنية.
لكن العائق الذي سيقف أمام الحكومة البريطانية هو تكلفة الترحيل التي ستصل حسب مرصد “أكسفورد للهجرة” إلى 2.5 مليون جنيه إسترليني (نحو 3.1 ملايين دولار) لكل رحلة تنقل 320 شخصا، مما يجعلها أكثر الرحلات الجوية تكلفة في العالم.
أما العائق الثاني فهو قانوني، حيث لم تبت المحكمة العليا في طلب الاستئناف الذي تقدمت به مجموعة من الجمعيات الحقوقية لإعادة النظر في قانون الترحيل، إضافة إلى إمكانية تدخل محكمة حقوق الإنسان الأوروبية من جديد لإبطال عمليات الترحيل.