مراسلو الجزيرة نت
شمال سوريا- بعد اشتباه أسرته وظهور الأعراض عليه أبلغ الطبيب المختص عائلة الطفل السوري عبد العزيز العمر بأنه مصاب بمرض “التقزم” الناجم عن حالة سوء تغذية شديدة تعرض لها على مدار السنوات الماضية.
ويعاني الطفل العمر (5 سنوات) من ضعف وهزال شديدين، إضافة إلى التعب لدى بذل أدنى جهد، وتروي والدته كيف تعرضت لضغوط نفسية كبرى لدى نزوحها من ريف إدلب أثناء حملها بطفلها، في وقت كانت الطائرات تدك قريتها بالصواريخ والقنابل.
وتقول الوالدة -التي تسكن في مخيم للنازحين شمالي سوريا- في حديث للجزيرة نت إنها طوال فترة الحمل لم تحصل على التغذية الكافية، فضلا عن عدم مراجعة أي طبيب خلال هذه الفترة أو حتى تناول الأدوية والمكملات الغذائية التي تساهم في نمو الجنين.
وتؤكد الأم المكلومة أنها لم تستطع إعطاءه في أشهر عمره الأولى بعد ولادته الكميات الكافية من الحليب الصناعي بسبب ثمنه الباهظ، في وقت كانت أسرتها تعيش على المعونات الغذائية ومساعدات المحسنين الذين يزورون المخيم، وكثيرا ما أجبرتها الظروف على تغذيته بماء الأرز المسلوق أو القليل من حليب الأبقار رخيص الثمن.
وتستدعي حالة الطفل المريض -وفق الأم- الحصول على حقن علاجية خاصة لا قدرة للأسرة على ثمنها، حيث يفوق سعر الحقنة الواحدة منها 200 دولار إن توفرت في الصيدليات القريبة من المخيم، في وقت لا تقدم المراكز الطبية هذا العلاج.
وتخشى الأم أن يؤثر مرض ابنها على مستقبله وعدم قدرته على التعلم والعمل بعد أن أخبرها أقاربها أن الحالة الصحية للطفل ستنعكس على سلوكه في السنوات القادمة.
أضرار لا يمكن التعافي منها
وانضم الطفل عبد العزيز العمر إلى أكثر من 609 آلاف طفل سوري أعمارهم دون الخامسة يعانون من المرض الناجم عن نقص التغذية، وفق أحدث تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).
وتقول اليونيسيف إن المرض يسبب أضرارا بدنية وعقلية للأطفال لا يمكن التعافي منها، محذرة من تأثير الأمر على تعليمهم وإنتاجيتهم في وقت لاحق من مراحل حياتهم.
بدوره، يؤكد المدير الإقليمي للمناصرة والإعلام في مكتب يونيسيف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عمار عمار أن الحفاظ على الوصول إلى الخدمات الصحية والتغذية التي تنقذ الحياة كان صعبا للغاية بالنسبة لمنظمته، في محاولتها منع تفاقم حالة التقزم وسوء التغذية عند الأطفال.
وقال عمار -في حديث للجزيرة نت- إن اليونيسيف قامت بتعبئة موارد إضافية وتنشيط خطط الطوارئ مع الشركاء المنفذين على الأرض، لتحسين وصول العائلات إلى الخدمات الغذائية التي تنقذ الحياة في المناطق الأكثر تضررا من خلال الفرق المتحركة في جميع أنحاء سوريا.
ولفت إلى أن المنظمة تحتاج إلى 172.7 مليون دولار من أجل المساعدات الفورية لـ5.4 ملايين شخص (بينهم 2.6 مليون طفل) تضرروا من كارثة الزلزال الأخير في سوريا.
وحذر المسؤول الأممي من أن استمرار فجوة التمويل ستكون له تداعيات سلبية شديدة، وسيعرض الاستجابة الإنسانية العاجلة للأطفال إلى الخطر.
خلل مؤلم
ويؤدي سوء التغذية للأطفال دون 60 شهرا -ما لم يعالج خلال هذه الفترة- إلى طول قامة أقل مما هو متوقع وراثيا ويسمى “التقزم”، وفق الطبيب المختص في طب الأطفال بإدلب فراس الحمدو.
وأكد الحمدو للجزيرة نت أن مئات الآلاف من الأطفال السوريين يعانون من سوء تغذية شديد يؤثر على المديين القريب والبعيد على الطول النهائي المتوقع وراثيا، وهو ما يلقي بظلاله على التطور الإدراكي لديهم.
وأوضح أن عددا كبيرا من الأمهات يعانين أيضا من سوء تغذية وفقر دم يؤثر على الطفل ونموه وهو في رحم أمه، حيث يستدل على ذلك بالأعداد المتزايدة من الولادات المبكرة، وما يسمى فشل نمو داخل الرحم.
ويعتقد طبيب الأطفال أن هناك خللا مؤلما في حجم ونوع السلال الغذائية الموزعة على النازحين السوريين، في وقت يقوم العديد منهم بمقايضة هذا السلال باحتياجات أخرى، مشيرا إلى أنه من النادر وجود أسر لا تعاني سوء التغذية داخل مخيمات النزوح.