طهران – هل تعدّ خطوة في سياق تطبيع العلاقات مع حكومة طالبان في أفغانستان أم إن الخلاف بين الطرفين أكبر؟ هذا السؤال وغيره أثاره إعلان وزارة الخارجية في حكومة طالبان أمس الأربعاء تسلّم 274 مواطنا أفغانيا كانوا معتقلين في السجون الإيرانية.
ويأتي ذلك ضمن ما وصفته الخارجية الأفغانية “بسلسلة تسليم المعتقلين”، إذ كشفت أمس الأول عن تسلّمها 189 سجينا، وقبل ذلك بيوم تسلمت 268 آخرين من السلطات الإيرانية، ليكون المجموع 731 سجينا في 3 أيام.
كما تأتي تلك التطورات بعدما سلمت إيران السفارة الأفغانية في 26 فبراير/شباط الماضي لحكومة طالبان، رغم تأكيدها أنها ما زالت لا تعترف بشرعيتها. وواجه خبر تسليم السفارة رفضا ملحوظا في الصحافة الإيرانية، دفع خارجية طهران إلى القول إن تسليم السفارة لحكومة طالبان شأن داخلي في أفغانستان وهي ليست معنية بذلك.
وفي سياق العلاقات المشتركة، كانت وزارة الدفاع الأفغانية قد توصلت مع وفد إيراني إلى اتفاق يتعلق بأمن الحدود، كما استقبلت طهران ممثلين من طالبان في مجالات النفط والغاز ووفودا من المصرف المركزي الأفغاني ووكالة القواعد والمعايير ووزارات المالية والخارجية والتجارة، وتكللت الزيارات بعدة اتفاقيات.
هذه التطورات تدفع إلى التساؤل عن حقيقة العلاقات بين الطرفين اللذين تجمعهما مواقف قريبة تجاه الولايات المتحدة ونظم حكم متشابهة، فضلا عن حدود مشتركة.
نقل السجناء
أوضحت الخارجية الأفغانية في بيانها أن إيران سلّمت السجناء عبر معبر “إسلام قلعة-دوغارون” الحدودي في محافظة هرات الأفغانية. وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية لدى حكومة طالبان حافظ ضياء أحمد -في تغريدة عبر تويتر- إن عملية تحرير ونقل السجناء جاءت نتيجة لمفاوضات مع الجانب الإيراني.
وأكدت الخارجية الأفغانية أن هذا الاتفاق تم قبل أيام خلال زيارة وفد رسمي يرأسه النائب العام لحكومة طالبان، وبحضور نواب من وزارة الخارجية.
من جانبها، نقلت وكالة “إيسنا” الإيرانية عن قائم مقام مديرية نقل السجناء في وزارة العدل الإيرانية كمال عبد اللهي قوله إن هذه العملية تعود إلى اتفاق بين البلدين عقد عام 2006.
وقال رئيس مديرية نقل المحكومين في وزارة العدل الإيرانية عسكر جلاليان إن جرائم هؤلاء السجناء ليست سياسية كما أنهم لا ينتمون لطالبان، بل تتعلق بالمخدرات.
وذكرت وكالة “فارس” الإيرانية أن عدد الأفغان في سجون طهران 6 آلاف فرد حاليا.
علاقات جيوسياسية
في هذا الإطار، يرى الخبير في العلاقات الدولية محسن جليلوند أن إيران تقبل تولّي طالبان الحكم كأمر واقع ومعها العالم أجمع، وأن إيران بصفتها جارة لأفغانستان وتملك حدودا لا يستهان بها معها ليس بإمكانها عدم تقبل طالبان.
وفي حديثه للجزيرة نت، يستبعد جليلوند فكرة أن تكون طهران تمهد بتلك الخطوات للاعتراف بحكومة طالبان، واصفا هذه العلاقات “بالجيوسياسية”.
ويضيف جليلوند أن غاية طهران وكابل من هذه العلاقات ليست المصالح، بل منع الضرر وتجنيب البلدين دفع أي ثمن، عازيا ذلك إلى حاجة الجانبين الماسة للاستقرار وتجنب الخلافات مع الجيران.
وحول ما تشهده الحدود الإيرانية الأفغانية بين فترة وأخرى من اشتباكات بين حرس الحدود، يعتقد الخبير في العلاقات الدولية أن هذه الاشتباكات ليست منهجية، ويرجع السبب وراءها إلى افتقار حراس الحدود من الجانب الأفغاني إلى الخبرة، حسب وصفه.
العدو المشترك يوحدنا
من جهته، لم ير الدبلوماسي الإيراني السابق والخبير في شؤون أفغانستان محسن روحي صفت أن تسليم السجناء خطوة نحو التقارب بين إيران وحكومة طالبان، موضحا أن هذه العملية جاءت بناء على اتفاقية قديمة بين البلدين، وبطبيعة الحال الاتفاقيات لا تتأثر بتغيير الحكومات.
وفي ما يخص تسليم السفارة الأفغانية في طهران إلى طالبان، أوضح روحي صفت أن تعيين ممثل في السفارة الأفغانية في طهران يعتبر شأنا داخليا لأفغانستان، حيث إنه أمر بين الوزارة الخارجية الإيرانية والسفارة الأفغانية.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الدبلوماسي السابق إن ما وصفها “بالغفلة” التي وقعت في هذا الشأن من الجانب الإيراني هي اعتماد ممثل في السفارة الإيرانية في كابل، لأن هذه الخطوة بشكل أو بآخر أجبرت طهران على الموافقة على الممثل من قبل طالبان.
وأضاف أنه لا ينفي وجود أفكار من الجانب الإيراني خلف هذه الخطوة، ملخصها أن العدو المشترك لإيران وطالبان -أميركا- يوحد الجانبين ويجعلهم بصف واحد، كما أن طالبان تنطلق من المبدأ ذاته الذي تنطلق منه طهران وهو الحكومة الدينية، متابعا “وهذا يشعرهم بالقرب”.
واعتبر هذه الخطوات جارحة لمشاعر الشعبين، لأن “طالبان ليست إلا جزءا بسيط من أفغانستان”، مشيرا إلى “الرفض الشعبي في إيران وأفغانستان حيال الاعتراف الإيراني بحكومة طالبان، وذلك بسبب نوع الحكم المعادي للمدنية الذي تنتهجه طالبان”، على حد قوله.
وقال إن طهران إذا اعترفت بطالبان في ظل هذا الرفض الشعبي فستكون خطوة غير مدروسة ومزعزعة للاستقرار الداخلي.
يذكر أن طهران لم تغلق سفارتها رسميا في كابل بعد تولي طالبان الحكم، بينما شهدت علاقات الجانبين في البداية توترا بسبب ما تقول طهران إنه اضطهاد للطائفة الشيعية -شعب الهزارة- في أفغانستان.