القاهرة- أحدث خبر بَيع جواز سفر الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات في مزاد أميركي، حالة من الاهتمام والتساؤل عن كيفية تسريب هذه الوثيقة إلى خارج البلاد.
وهذا ما جعلنا نبحث عن الأرشيف الخاص والعام لرؤساء مصر، وسط جدل حول حياة الرئيس الخاصة والتي يعدها بعض الباحثين شأنا عاما، ويرون أنه يجب أن تتحول أوراق الرئيس وخطاباته وملاحظاته إلى وثائق مهمة، فهي ليست من حق الأشخاص بل من حق الدولة والتاريخ نظرا لأهميتها.
فمن أرشيف الرئيس جمال عبد الناصر الشخصي، استطاعت ابنته هدى، أن تكَّوِن 5 كتب ضخمة في حوالي 4 آلاف صفحة بالاعتماد على خطاباته وكتبه وأوراقه الخاصة وقصاصات الأوراق المهملة التي كانت في مكتبه.
مكتبة السادات كاشفة
يقول المشرف السابق على “متحف السادات” في مكتبة الإسكندرية خالد عزب “لا توجد تقاليد ثابتة في بلادنا لوضع الأرشيفات الشخصية للرؤساء في إطار بحثي وعلمي وأكاديمي يمكن الرجوع إليه. قد يحدث هذا في بعض الدول الأوروبية. وفي أميركا مثلا يؤسس بعض الرؤساء أرشيفاتهم الشخصية مثل مكتبة كارتر العامة، حيث توجد مؤسسة تعمل على أوراق كارتر الشخصية”.
ويستطرد عزب “لم أفهم شخصية السادات الحقيقية إلا من خلال أرشيفه الشخصي، فقد ساعدتني الظروف في أن أكون شاهدا وفاعلا في تأسيس متحف باسمه يضم كل مقتنياته، وأرى أن المكتبة تكشف طريقة تفكير صاحبها، ومكتبة السادات كانت كاشفة لطبيعة شخصيته بعكس ما روّج البعض بأنه كان يكره القراءة”.
ويذكر عزب أن السادات كان قارئا جيدا، ومن الأمثلة على ذلك أنه كان يمتلك الموسوعة اليهودية باللغة الإنجليزية في مكتبته، “ووجدت أنه قرأها بتمعن شديد. ومن خلال خطوط موضوعة تحت بعض الفقرات فهمت ما جرى في مفاوضات السلام مع الإسرائيليين”.
و”لعل من قراءته للموسوعة، أدرك السادات أن اليهود في المفاوضات يلعبون على عامل الزمن وكسب الوقت لإنهاء القضية، ولهذا كان في مفاوضاته معهم واضعا عينه على استرداد الأرض بأي ثمن، والآن، وليس غدا”، كما رأى عزب.
ويضيف خالد عزب “كان للرئيس السادات عدد من الكتب والخطابات السياسية والشخصية المهمة التي سجل فيها رؤيته، أما ما لفت انتباهي من خلال بعض أوراقه، أنه كان مدركا لقوة شخصية عبد الناصر” وقد علّق على ذلك في ملاحظاته فعلا.
ويستطرد عزب قائلا “أثناء عملي بمكتبة الإسكندرية حصلنا على أجزاء من أرشيف الرئيس محمد نجيب، وعدد لا بأس به من أرشيف الرئيس السادات، أسسنا به “متحف السادات” في المكتبة، وبعضا من أرشيف الرئيس عبد الناصر ضمن ما يسمى “ذاكرة مصر”.
وهذا يرفع سقف التساؤلات حول أرشيف الرئيس حسني مبارك الشخصي أو مذكراته، وهو الذي حكم مصر 30 سنة مليئة بالأحداث الجسام وحارب وفاوض وشهد حروبا على مرمى حجر من مصر.
أين أوراق مبارك؟
يقول الكاتب الصحفي عبد الله السناوي -رئيس تحرير جريدة العربي السابق- إن الرئيس السابق محمد حسني مبارك سجّل مذكراته عام 1995، وإنه ترك 18 ساعة فيديو محفوظة في جهة حساسة -وفق تعبيره- هي القوات المسلحة، وضمّنها شهادته عن “حرب أكتوبر”، وعن فترة عمله نائبا للرئيس السادات، وسنوات حكمه حتى وقت التسجيل، إلا أن الشهادة لم تنشر وهو على قيد الحياة.
ويضيف السناوي -في حديثه للجزيرة نت- أن مبارك بنفسه اعترف بتسجيله هذه المذكرات عند نشر الخبر في جريدة “العربي” عام 2009 بعنوان “مذكرات مبارك المحجوبة”، وسجل هذا حالة من ردود الفعل في الصباح التالي على متن الطائرة الرئاسية. وعندما سأل رؤساء التحرير مبارك عن مدى صحة الخبر، رد باقتضاب وقال “فعلا حصل”.
ويتساءل السناوي لماذا لا تنشر شهادة مبارك لتستكمل الرواية التاريخية لفترة حكمه، خاصة أن هناك زوايا كثيرة ما تزال تحتاج لتفسير؟. ويضيف “عرفت من بعض تفاصيل هذه الشهادة أن مبارك لم يكن معجبا بالسادات الذي رفعه لسدة الحكم، بل كان معجبا بدرجة أكبر بالرئيس عبد الناصر، ومع ذلك سار على نهج السادات في سياساته خلال فترة حكمه”.
وحول الأوراق الشخصية المنسوبة لرؤساء الدول، يقول السناوي إنها “جزء من التاريخ الحي، ولها ضرورة تاريخية وعلمية في معرفة ما جرى. وإذا بيعت وثيقة خاصة برئيس الجمهورية في مزاد عالمي، فيجب البحث عن الطريقة التي خرجت بها من مصر وبيعت في المزاد، ومن فعل هذا من المؤكد أن له صلة بالأسرة، وجزء من السكرتارية الخاصة بالرئيس”.
أوراق عبد الناصر وسعد زغلول
من ناحية أخرى، أشار السناوي إلى الوثائق الأساسية “لثورة يوليو/تموز” التي تركها الرئيس عبد الناصر، وهي المذكرات والمراسلات التي كتبها لأصدقائه وأسرته خلال حرب فلسطين (1948) بالإضافة لأوراقه خلال فترة حكمه التي راجعها ووثقتها الدكتورة هدى عبد الناصر.
وفي سياق المذكرات المهمة لكبار الزعماء المصريين، يذكر السناوي “المذكرات الفذة” التي كتبها الزعيم سعد زغلول، “والتي أعدها شارحة ومفسرة لكثير من الأحداث” التي مرت بها مصر في فترة العشرينيات.
الأرشيفات الضائعة
ويعتقد مجدي جرجس أستاذ التاريخ والوثائق في كلية الآداب في جامعة كفر الشيخ، أن الأرشيفات المهمة في مصر “غير متاحة”. ويقول “لا تسألني عن الأرشيف الشخصي وأرشيفاتنا العامة مهملة، ولهذا ضاع كثير من ثروتنا الأرشيفية، سُرقت أو نُهبت أو أُهملت”.
ويقول جرجس “لا يوجد تصور علمي للأرشيف العام، ليس لمصر فقط بل للشرق الأوسط أيضا. وهذا يؤثر على موقف مصر الدولي وادعائها بحماية الأرشيف وبإتاحته”. مضيفا “ما نزال نبحث عن وثائقنا في الغرب، وبين المصادر الأرشيفية الغنية في مكتبة جامعة دورهام (بريطانية)، حيث توجد مجموعة عباس حلمي الثاني (1874-1944) آخر خديوي لمصر”.
سكرتيرو الرئيس
رغم الحديث عن ضياع الكثير من المذكرات، هناك شخصيات شغلت منصب السكرتير الخاص للرئيس، وكانت مسؤولة عن كل أوراقه ومذكراته. وهي:
- في فترة الرئيس عبد الفتاح السيسي الحالية، يتولى ذلك تامر عصام الدين.
- في فترة الرئيس محمد مرسي، أسندت المهمة لكل من خالد القزاز وأمين الصيرفي.
- في فترة الرئيس حسني مبارك، شغل هذه المهمة عدد من الشخصيات، منهم “رئيس السكرتارية الخاصة” جمال عبد العزيز، ومصطفى شاهين، وحسين محمد حسين، وعادل عثمان، وأبو الوفا رشوان، ومدحت صدقي، وعبد الوهاب سعيد زكي.
- خلال فترة السادات، تولى المهمة فوزي عبد الحافظ.
- خلال فترة الرئيس جمال عبد الناصر، كانت من مهام محمد أحمد وفؤاد عبد الحي.