طرابلس- بعد مؤتمر صحفي واجتماعين -أحدهما أمني وعسكري محلي وآخر على مستوى دولي في أيام معدودة- بدا نشاط البعثة الأممية إلى ليبيا محموما وخطواتها متسارعة إثر ركود سياسي استغرق أشهرا.
وأعقب حراك البعثة الأخير تشجيع من مجلس الأمن الدولي لمبادرة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي للدفع باتجاه الانتخابات، وتهديد بعقوبات على من يعرقلون المساعي نحو إجرائها.
وقال المجلس -في بيان- إن “الأفراد أو الكيانات الذين يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا أو يعرقلون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح -بما في ذلك عن طريق عرقلة الانتخابات- قد تتم معاقبتهم من قبل المجلس”.
وأيد البيان مبادرة المبعوث الأممي باتيلي لتشكيل فريق ليبي رفيع المستوى للانتخابات بتشجيع من الأمم المتحدة، لاستكمال تقدم العملية الديمقراطية والجمع بين الفرقاء السياسيين.
وأكد مجلس الأمن على أهمية وجود عملية تشاركية تضم ممثلين عن المؤسسات والشخصيات السياسية وزعماء القبائل ومنظمات المجتمع المدني والجهات الأمنية والشباب والمرأة، للمساعدة في التوافق على الخطوات اللازمة لإنهاء العملية الانتخابية، ووضع اللمسات الأخيرة على الأساس الدستوري والقوانين الانتخابية.
وأشاد المجلس بدور مصر في تسهيل المحادثات في القاهرة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين.
مصر.. مآخذ ومصالح
وجاءت إشادة مجلس الأمن بالدور المصري رغم إعلان الخارجية المصرية أسفها لما وصفته بـ”دعم مجلس الأمن مبادرات تقوض دور المؤسسات الليبية الشرعية”.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية أحمد أبو زيد إن مصر علمت بصدور البيان الرئاسي الخاص بليبيا عن مجلس الأمن، وإنه على الرغم مما احتواه من ترحيب بالتقدم المحرز على مستوى الإطار الدستوري والتعديل الـ13 للإعلان الدستوري والإقرار باستمرار الدور الذي يضطلع به مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين “إلا أنه من المؤسف أن يشجع مجلس الأمن مبادرة تستهدف تشكيل فريق ليبي رفيع المستوى للمتابعة والإعداد للعملية الانتخابية في ليبيا، في افتئات واضح على دور المؤسسات الليبية الشرعية والمنتخبة”.
في المقابل، يرى الوزير السابق في حكومة الوفاق الوطني الحبيب الأمين أن الدور المصري منصّب على عدم خروج الحل السياسي عن مجلسي النواب والأعلى للدولة كونهما الضامن الوحيد للمصالح المصرية.
وقال الأمين للجزيرة نت إن “القاهرة لا ترفض البيان الأممي برمته، بل عبرت عن ترحيبها بالتعديل الـ13، ولكنها ترفض أن يخرج الأمر عن عقيلة صالح وخالد المشري كمنفذين حصريين له ومنتجين للقوانين الانتخابية، وترفض إشراك آخرين تعتقد أنهم قد يشكلون خطرا على مصالحها”.
وكان مجلسا النواب و”الأعلى للدولة” قد صوتا في الأسابيع الماضية لصالح التعديل رقم 13 على “الإعلان الدستوري” (دستور مؤقت لليبيا)، ليصبح قاعدة دستورية تُجرى عبرها انتخابات برلمانية ورئاسية تنهي الأزمة الراهنة في البلاد.
وقال الأمين “السؤال الجوهري هنا كيف سننجز انتخابات وفق التعديل 13 الذي مرره المجلسان ورحبت به البعثة والقوى الدولية والإقليمية؟ وماذا عن صلاحيات اللجنة المقترحة وحقها في هذا التعديل أو تجاوز بنوده ورفضها بعيدا عن سلطة عقيلة والمشري؟”.
ووفق الأمين، “هذا ما تخشاه مصر وستكون معها فرنسا وروسيا والإمارات في مرحلة لاحقة إذا ما استشعرت أي مخاطر على مرشحها المشترك”.
الفخاخ في التفاصيل
بدوره، يرى مدير مركز “بيان” للدراسات نزار أكريكش أن الأزمة آخذة في التدويل، موضحا للجزيرة نت أن صدور بيان عن مجلس الأمن بالإجماع سيشكل عامل ضغط كبير على البرلمان ومجلس الدولة.
ويقول أكريكش “ربما سيتكرر ما حدث في اتفاق جنيف، لكن التطورات الدولية ستكون حاسمة، لذا، إذا كان هناك ضغط أميركي وأوروبي فسيواجه من روسيا بمحاولة الدفع نحو قوانين تضمن وصول مرشحيها مثل سيف القذافي وخليفة حفتر، وبالتالي ستدفع التفاصيل داخل المبادرة الجميع للتربص وأخذ الحذر”.
والتفاصيل “المفخخة” -كما يصفها رئيس اللجنة السياسية السابق في المجلس الأعلى للدولة عبد الفتاح الشلوي- تتعلق بشروط الانتخابات الرئاسية التي يصر عليها مجلس النواب.
ولا يستبعد الشلوي التوافق، بل يتوقع أن تحاول كل الأطراف اللحاق بالركب مهما كانت الخلافات، مشبها الأمر بما حدث سابقا مع رئيسة بعثة الأمم المتحدة السابقة للدعم في ليبيا ستيفاني وليامز، حيث كان من عارضها أول المتقدمين للانتخابات التي لم تجر قبل عامين.
ويوضح الشلوي للجزيرة نت أن “باتيلي وضع الفرقاء أمام اختبار ستكشف نتائجه في الموعد الذي حدده في يونيو/حزيران المقبل، غير أن مسألة العقوبات وعلى من ستطبق تركت مفتوحة”.
من جهته، يرى المحلل السياسي فرج فركاش أن مسألة الدعم الدولي باتت واضحة، خاصة من الغرب الداعم لعبد الله باتيلي في محاولته للخروج من المأزق السياسي حتى في حال فشل المجلسان في الانخراط إيجابيا في مبادرته.
ورجح فركاش أن توكل مهمة إنتاج القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية للجنة الجديدة “حتى لو فشل الوصول إلى قاعدة دستورية تضمن إجراء الانتخابات الرئاسية فأعتقد أن هناك نية واضحة للذهاب على الأقل في مسار انتخابات برلمانية تجدد الشرعية السياسية عن طريق جسم تأسيسي يهتم بموضوع الدستور الدائم والانتخابات الرئاسية”.
سيناريوهات محتملة
ويوضح المحلل السياسي فرج فركاش للجزيرة نت أن المبادرة الأممية قد تأخذ 3 مسارات:
- الأول: إحراج المجلسين بوضعهما في زاوية ضيقة وعدم إتاحة الفرصة لهما للمناورة، بغرض التوافق على قاعدة دستورية تُبنى على أساسها القوانين الانتخابية.
- الثاني: توحيد وتوافق القوى العسكرية والأمنية الفاعلة شرقا وغربا لقطع الطريق على من يتعلل بصعوبة إجراء الانتخابات في ظل الوضع الأمني.
- الثالث: إحداث تقدم في ملف المصالحة الوطنية برعاية المجلس الرئاسي والاتحاد الأفريقي.
“الأستاذ” باتيلي
وانطلاقا من خبرته الطويلة في الحوارات السياسية وعمل البعثة الأممية في ليبيا يرى البرلماني السابق عبد الفتاح الشلوي أن هذه المبادرات شائكة، وما يخفى منها أكثر مما هو ظاهر.
ويستشهد الشلوي بمقولة المبعوث السابق برناردينو ليون عن “الغموض البنّاء وسياسة المفخخات”، موضحا أن باتيلي “مارس مع الفرقاء أسلوب الأستاذ فوضع المنهج ووجههم لاتباعه، وسيقوم باختبارهم في يونيو، ففي الظاهر منحهم حرية الاختيار، في حين قيدهم في الواقع، فما لم ينجز خلال سنوات وضع له مدة زمنية لا تتجاوز 3 أشهر”.
تقدم غير حاسم
أما بخصوص التوقعات بشأن إجراء الانتخابات من عدمها فيقول المحلل السياسي عبد السلام الراجحي للجزيرة نت إن “هناك تقدما لا يمكن تجاهله في المسار السياسي المتعثر منذ فترة طويلة، فرغم صعوبة التكهن بإجراء الانتخابات خلال هذا العام كما أعلن لكن خطوات البعثة والدعم الغربي لها قد يمهد لإجرائها وإن تأخرت إلى الربع الأول من العام المقبل”.
وتوقع الراجحي محاولات من الأجسام الموجودة في السلطة لعرقلة أي حل ربما يخرجها من المشهد في حال استمر باتيلي على هذا النهج، على عكس من هم خارج المشهد ويحاولون الانخراط في أي حل جديد ربما يحقق لهم بعض المكاسب.