لندن- لم يتأخر التحاق بريطانيا بركب الدول الغربية (الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي وكندا) في قرارها حظر استعمال تطبيق “تيك توك” على الهواتف والأجهزة الإلكترونية الحكومية، بيد أن لندن ذهبت أكثر من ذلك عندما حذر أكثر من مسؤول أمني أن بريطانيا قد تذهب إلى حد حظر التطبيق في عموم البلاد.
ولم يكن مستغربا النبرة الحادة التي استعملتها الحكومة البريطانية في تبرير قرارها حول حظر الشركة الصينية، فلندن ومنذ سنوات تنظر بعين الريبة لكل ما يأتي من الصين باسم التكنولوجيا.
ويخفي القرار الأخير معركة تجري الكثير من فصولها في الخفاء وأحيانا تظهر بعض معالمها إلى السطح، يتداخل فيها ما هو أمني مخابراتي بما هو سياسي أو اقتصادي أو عسكري، كان آخرها تعميم من المخابرات البريطانية على النواب والسياسيين للتحذير من شخصيات صينية تحوم حولها شبهات اختراق المجال السياسي البريطاني ولها ارتباطات مع حكومة بكين.
في المقابل، تنفي الصين كل مرة كل هذه الاتهامات، وتقول إنها لا تستند إلى أي دليل واضح.
وبدأت مخاوف لندن مما تقول إنه محاولات تجسس صيني على المعطيات الحساسة في البلاد عام 2017 بسبب الرغبة في تسليم شركة “هواوي” الصينية صفقة وضع البنية التحتية للجيل الخامس من الإنترنت في بريطانيا، وتطورت تلك المعطيات لتصل إلى حظر “تيك توك” وطرد طلبة صينيين، فضلا عن التحقيق في استخدام كاميرات المراقبة الصينية.
لماذا حظرت بريطانيا تطبيق “تيك توك”؟
تقول الحكومة البريطانية إن سبب الحظر مرتبط بالبيانات التي يحصل عليها التطبيق الصيني، والتي يتم تخزينها من طرف “بيت دانس” (ByteDance)، وهي شركة صينية بالكامل. وحسب المؤسسات الأمنية البريطانية فإن هناك احتمالا كبيرا بأن تطلب الحكومة الصينية الوصول لهذه البيانات ومنها بيانات موظفين حكوميين في دول أخرى.
وحسب بيان الحكومة البريطانية فإن قرارها أيضا استند إلى معطيات تقول إن التطبيق يمكنه الوصول إلى بيانات المستخدمين بما فيها مواقع وجودهم وكذلك لائحة الأرقام المسجلة بالهاتف، مما يشكل كنزا من البيانات خصوصا ما يتعلق بالهواتف الحكومية، وهو ما يذهب له تقرير لمؤسسة الأمن الرقمي “Internet 2.0” وهي شركة أميركية تقول إن التطبيق يمكنه الوصول حتى إلى الرقم التسلسلي لشريحة الهاتف.
ماذا تقول “تيك توك”؟
تقول الشركة إن خوادم تخزين البيانات لا توجد في الصين وإنما في الولايات المتحدة وسنغافورة، كما أن “تيك توك” عرضت على الدول الغربية أن تنقل هذه الخوادم لجهة ثالثة تكون مقبولة لدى جميع، ومن بين الدول المرشحة النرويج، ومع ذلك لم تهدأ مخاوف الدول الغربية.
متى بدأ الانتباه للتكنولوجيا الصينية؟
بدأ الانتباه للتكنولوجيا الصينية واقتحامها القوي للأسواق الأوروبية، منذ سنوات، إلا أنه احتدم وبشكل كبير سنة 2017 وحتى 2020 حينها كانت الحكومة البريطانية أبان فترة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي تنوي تسليم شركة “هواوي” الصينية صفقة وضع البنية التحتية للجيل الخامس للإنترنت.
غير أن تحذيرات شديدة اللهجة جاءت من المخابرات الأميركية لرفض هذه الصفقة بدعوى أن هناك مخاطر لاستخدام الشركة في التجسس على بريطانيا، في البداية لم تقتنع المخابرات البريطانية بما قدمته نظيرتها الأميركية، مما دفع الأخيرة للتهديد بأنها قد تقلص التعاون مع البريطانيين في حال المضي قدما في هذه الصفقة، قبل أن يصل وفد رفيع يضم مسؤولين من كل الأجهزة المخابراتية الأميركية إلى لندن سنة 2019، ويقدم تقارير مفصلة لأسباب رفضه لهذه الصفقة.
وعقب هذه الزيارة، أعلنت الحكومة البريطانية تقليص مساهمة شركة “هواوي” بشكل كبير وتسليمها أدوارا هامشية في وضع الأجهزة الخاصة بالجيل الخامس للإنترنت.
لماذا طردت لندن عددا من الطلبة الصينيين؟
بات عدد الطلبة الصينيون تحت مجهر المخابرات البريطانية وخصوصا مكتب (MI5) الذي أعلن رئيسها “كين ماكالوم” أن جهازه رصد العشرات من الطلبة الصينيين المرتبطين بالحكومة في بكين مباشرة، وتم طرد حوالي 50 منهم خلال العام الماضي.
وكشف المسؤول الأول عن المخابرات في بريطانيا أن هؤلاء الطلبة كانوا يستهدفون الأبحاث العلمية الأكثر سرية وحساسية بالجامعات البريطانية وخصوصا كل ما يتعلق بالصناعات العسكرية، مؤكدا أن المخابرات البريطانية تواجه ضغطا غير مسبوق من “الصين التي تستهدف الأسرار الصناعية للبلاد”.
ووصف المسؤول الأمني، الصين بأنها “تهديد حقيقي على الأمن البريطاني على المدى الطويل” مؤكدا أن المخابرات البريطانية (MI5) ضاعفت من تحقيقاتها حول محاولات التجسس الصيني بـ 7 أضعاف منذ عام 2018، متوقعا أن هذا الرقم سوف يتضاعف خلال عام 2023.
كيف تم اكتشاف ضعف أنظمة الحماية الخاصة بكاميرات المراقبة؟
في تقرير لمفوضية كاميرات المراقبة (BSCC) -وهي هيئة رسمية مستقلة عن الحكومة دورها مراقبة مدى احترام كاميرات المراقبة المستخدمة من الأجهزة الحكومية للقوانين ولاحترام الحياة الخاصة، ظهر أن الشرطة البريطانية “تعاني من ضعف وسهولة الاختراق من طرف الصين”، والسبب هو اعتماد الشرطة البريطانية على كاميرات مراقبة وطائرات بدون طيار يتم تصنيعها في الصين.
وحسب التقرير الرسمي فإن الشرطة البريطانية تستعمل وبكثافة الكاميرات التي يتم تصنيعها في الصين، وتحديدا من طرف شركة “هايك فيزيون” (Hikvision) والتي تعد من أكبر مصنعي كاميرات المراقبة في العالم، والتي طالتها العقوبات الأميركية مؤخرا بسبب وضع مسلمي الإيغور في الصين.
وقال تقرير المفوضية إن هذا الوضع يجعل من اختراق الشرطة البريطانية مهمة سهلة، داعيا إلى معاجلة هذا الأمر في أقرب وقت ممكن.