قالت مجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية إن الرئيس إيمانويل ماكرون أخفق في إقناع الشعب بإصلاح نظام التقاعد الذي تقدم به، وارتكب 5 أخطاء أدت إلى الوضع الحالي الذي يوصف بأنه “مشهد من الخراب”.
وأضافت أن ماكرون مع أنه كان محقا في اختيار تمرير مشروع نظام التقاعد عن طريق الفقرة الدستورية الثالثة من المادة 49، بدل التصويت عليه أمام جمعية وطنية لا تبدو موافقة عليه، فإنه وقع في سلسلة من الأخطاء أدت إلى الوضع الحالي الذي يوصف بأنه “مشهد من الخراب”.
وأوضحت الصحيفة -في مقال بقلم هيرفيه غاتنيو- أن الرئيس بهذا الاختيار، فضّل الكفاءة على الجرأة، ورأى أن الهزيمة ببضعة أصوات أسوأ بكثير من الاعتراف بفشل يمثل إذلالا شخصيا وعجزا مؤكدا حتى نهاية ولايته، ومن ذا الذي يفضل الهزيمة الساحقة على الانتصار المؤلم؟ يتساءل الكاتب.
وتبريرا لهذا الاختيار، قال الرئيس لوزرائه خلال اجتماع الأزمة الأخير قبل الإعلان -وما يقوله سيكون له تأثير على صورته وبقائه- إنه لم يستطع تعريض المشروع لمثل هذا التصويت العشوائي، و”لا يمكننا اللعب بمستقبل البلاد”، ليعلق الكاتب بأن الرؤساء يميلون دائما إلى الخلط بين مصيرهم ومصير البلاد.
وأوضح ماكرون أن “المخاطر المالية والاقتصادية” بدت له “أكبر من أن يتخلى عن الإصلاح”. غير أن هذا “الإصلاح” لم يقدم بشكل جيد، كما يعترف عدد من المسؤولين، وبالتالي وجد ماكرون نفسه في مأزق تلته سلسلة من الأخطاء لم يكن مرتكبها الوحيد، ولكن ليس من العدل ألا تنسب إليه المسؤولية الرئيسية عنها.
وفصلت الصحيفة أخطاء ماكرون حسب ما يلي:
1- لن يكون الإصلاح الأخير
فشلت الحكومة في الإقناع بأن الإصلاح سيكون كافيا لضمان استمرارية النظام على المدى الطويل عندما وافقت على ترك العمل في سن 64، في الوقت الذي جعلت فيه معظم الدول الأوروبية سن التقاعد القانوني بين 65 و67.
كما أن “الإجراءات المصاحبة”، التي تمت إضافتها على مدار المناقشات والمفاوضات مع الجمهور، أضافت ثقلا جديدا للموضوع، مما يعني أن الإصلاح سيحقق وفرة كبيرة، ولكن ليس بالقدر المأمول. إذ إنها قد تكفي “لضمان التوازن إلى حدود عام 2030، لكنها لن تكون كافية للاستغناء عن إصلاحات أخرى في المستقبل”، كما يلخص أحد الخبراء.
2- درع لا فتيل
يرى الكاتب أن النهج “البناء” الذي دعت إليه رئيسة الوزراء إليزابيث بورن قد فشل، خاصة أنها -مع فقدان أغلبية مطلقة في الجمعية- كان يجب عليها أن تتفق مع الأحزاب والجماعات السياسية، وهو ما لم يتم.
وستكون النتيجة محزنة بالنسبة إلى بورن وتهدد مستقبلها في قصر ماتينيون، خاصة أن هناك حالتين يتعرض فيهما رئيس الحكومة للخطر: عندما يطغى على الرئيس وعندما يتوقف عن حمايته؛ وبالتالي أخطأت في تقديم نفسها على أنها “فتيل”، بدل أن تكون درعا لحماية الرئيس.
3- الجمهوريون لا يسيطرون على أتباعهم
ووجدت رئيسة الحكومة صعوبة في التفاوض مع شريك لا يعرف ما يريده، في إشارة إلى الجمهوريين، في حين كانت النقابات تعرف ما لا تريده، وهو الإصلاح.
وحدث ذلك بعد أن أصبح حزب الجمهوريين ممزقا بين تطلعه للبقاء حزبا حكوميا، وبين إغراء ترسيخ نفسه في المعارضة للاستفادة من عدم شعبية ماكرون.
وبالتالي، كان من الصعب على بورن فهم ذلك، لأنها لا تعرف النواب جيدا ولا تعرف شيئا عن حياة الحزب، وأمامها قادة لا يسيطرون على أتباعهم.
4- إغراء اليمين بدلا من إضعافه
كان إضعاف اليمين تكتيكا ناجحا لدى ماكرون، ساعده على الاستقرار في السلطة بعد انتخابه عام 2017، ثم في إعادة انتخابه عن طريق سحب أصوات المعتدلين إليه.
ولكن النتيجة التي حصل عليها تمنعه من الحكم بمفرده، وحزب الجمهوريين لم يعد قادرا على مده بالتعزيز الكافي، ولذلك كان من الأفضل بالنسبة إليه أن يسعى لإغراء اليمين بدلا من السعي لإضعافه، ولذلك فهو يدفع الآن ثمن سوء التقدير هذا.
5- إعداد العقول لاعتماد المادة 49.3
وحسب الكاتب، فإن الفقرة الثالثة من المادة 49 “ليست كما يظن بعض الحمقى” تمثل انتهاكا للديمقراطية، بل هي على العكس موضوعة من أجل ألا تشل الحكومة الشرعية بغياب الأغلبية المطلقة.
وهي تعني سماح أعضاء البرلمان باتباع سياسة ليست بالضرورة سياساتهم، دون الحاجة إلى موافقتهم عليها، ولكن ماكرون وبورن ارتكبا خطأ بالمبالغة في ضرورة عدم اللجوء إليها، بتكرارهما أنهما سيفعلان كل شيء لتجنبها.
وقد كان من الأفضل -حسب الكاتب- تحضير عقول الناس بقول إن الإصلاح مهم جدا لدرجة أن الحكومة يجب أن تتحمل مسؤوليته، وستكون النتيجة هي نفسها، من دون أن تبدو الحكومة وكأنها فاشلة.