مراسلو الجزيرة نت
طهران- يبدو أن التصعيد سيكون عنوانا بارزا في العلاقة بين أميركا وإيران خلال الفترة المقبلة، فبعد الهجمات على القواعد الأميركية في سوريا، والغارات الأميركية على منشآت تستخدمها مجموعات موالية لإيران في دير الزور (شرقي سوريا)، تضرب هذه الهجمات المتبادلة النار في هشيم العلاقات المتوترة أصلا بين البلدين.
العلاقة بين طهران وواشنطن اتسمت بالعداء والتوتر المتصاعد طوال أكثر من 4 عقود خلت، وبالرغم من توفر أسباب الحرب بينهما وموجباتها فإن البلدين تمكنا من احتواء التصعيد مرات عدة.
وعلى وقع وصف طهران لواشنطن بأنها “الشيطان الأكبر”، وانسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين طهران والمجموعة السداسية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى الصين وروسيا)، ارتفع منسوب التوتر بينهما في المياه الخليجية تارة وعلی الأراضي العراقية تارة أخرى، وأخيرا تأتي الأراضي السورية كمحور إضافي للتصعيد.
التصعيد الأخير جاء بعد حراك دبلوماسي لتطبيع العلاقات بين طهران من جهة والرياض وعدد آخر من العواصم العربية من جهة أخرى، وكذلك عقب لقاء رئيس المجلس الإستراتيجي للسياسات الخارجية الإيرانية كمال خرازي مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق الثلاثاء الماضي، وسط مخاوف إيرانية من أن يؤثر هذا التصعيد على النتائج التي حققتها الدبلوماسية.
الدبلوماسية والميدان
برلمانيا، يربط المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان الإيراني نظام الدين موسوي بين الدبلوماسية والميدان، وخضوعهما لغرفة عمليات موحدة.
وكتب موسوي في تغريدة على موقع تويتر أن “الحوار الدبلوماسي مع السعودية والمقاومة الباسلة شرقي سوريا يتقاطعان مع سياسة موحدة وإستراتيجية شاملة، غرفة العمليات تعمل بعناية وتراقب جميع الأمور، نعم! إننا نعي ما نقوم به في المنطقة”.
ولدى قراءته لتصريح موسوي، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة طهران محسن جليلوند أن المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان الإيراني يريد طمأنة الرأي العام الداخلي بأن التطورات تحت السيطرة، وأن بلاده عازمة على إنجاح سياستها الرامية إلى ترميم علاقاتها مع دول المنطقة.
ولا يخفي الأكاديمي الإيراني خشيته من خروج التوتر من سيطرة طهران وبلوغه مستويات غير محمودة، مؤكدا -في تصريح للجزيرة نت- أن هناك أطرافا إقليمية ودولية لا تريد للشرق الأوسط أن ينعم بالأمن والهدوء، وأنها تعمل على خلق المشكلات بين إيران والدول العربية وعرقلة عودة سوريا إلى الحضن العربي.
الأسباب والأهداف
وأوضح جليلوند أنه بالرغم من أن الاشتباك الأخير على الأراضي السورية لم يكن بين القوات الإيرانية والأميركية مباشرة، إلا أن مواقف الجانبين وتهديداتهما لا تبشر بخير.
ولا يستبعد جليلوند تطور الوضع وحصول مناوشات مباشرة خلال الفترة المقبلة.
واستدرك الأكاديمي الإيراني أن الجانبين الإيراني والأميركي يتقنان سياسة عدم الانزلاق للحرب المباشرة، في حين أن حوادث أصغر مما جربتهما الدولتان خلال السنوات الماضية كانت ستؤدي إلى حرب، منها إسقاط طائرات ومسيّرات واغتيالات.
ورسميا، تنفي إيران على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الإيراني كيوان خسروي اتهامات واشنطن بالهجوم على قواعد أميركية في سوريا، وتعتبرها “غير صحيحة”.
من جانبه، يرى الباحث السياسي المقرّب من الحرس الثوري مهدي عزيزي أن التطورات الإقليمية تسير على النقيض من الإرادة الأميركية، ولا سيما بخصوص عودة سوريا إلى الحضن العربي والتقارب الإيراني الخليجي، موضحا أن تطبيع العلاقات بين دمشق والعواصم العربية قد يسحب البساط من تحت أقدام واشنطن ويدحض ذريعة تواجد قواتها لمواجهة الإرهاب في سوريا.
ويبرر عزيزي -في حديثه للجزيرة نت- “حضور بلاده العسكري في سوريا بأنه جاء تلبية لطلب رسمي من الحكومة السورية”، مستغربا استحواذ الجانب الأميركي على مساحات شاسعة من شمال شرق سوريا وحقولها النفطية بذريعة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
رسائل وإستراتيجية
ونفى الباحث السياسي المقرّب من الحرس الثوري أن تكون بلاده قد قصفت القواعد الأميركية في سوريا، مستدركا أن ردّ فصائل المقاومة القريبة من إيران كان متناسبا مع إستراتيجية طهران الرامية إلى طرد القوات الأميركية من المنطقة.
ورأى في دخول المسيّرات والصواريخ إلى ساحة المعركة مع القوات الأميركية تغييرا جذريا في قواعد الاشتباك، مشيرا إلى أن “فصائل المقاومة لم تعد مضطرة بعد على التعايش مع التواجد الأميركي في سوريا، وأنها ستعمل من أجل إجباره على المغادرة”.
وأشار عزيزي إلى أن نظام الدفاع الجوي في القواعد الأميركية بسوريا فشل في التصدي للمسيرات التي تقول واشنطن إنها إيرانية الصنع، وذلك لأن طهران صممت مسيراتها على التخفي وعدم كشفها من قبل الرادارات.
من ناحيته، يعتقد عضو مجلس الإعلام الحكومي الإيراني عبد الله كنجي -في تغريدة على موقع تويتر- أن هجمات المجموعات الموالية لبلاده على القواعد الأميركية في سوريا تحمل رسالتين، مفادهما: أن “التطورات الإقليمية على الصعيد الدبلوماسي لم تدفع تيار المقاومة نحو التقوقع، وأن عهد اضرب واهرب قد ولّى”.