على وقع واحدة من أسوأ أزماتها السياسية والقضائية التي تعيش فيها إسرائيل منذ الرابع من يناير الماضي، لم تتوقف التوترات في البلاد.
فقد تدفق آلاف الإسرائيليين مجددا، اليوم الاثنين، إلى الشوارع وسط تل أبيب للاعتراض على مشروع قانون التعديلات القضائية، ووقعت اشتباكات بين عدد من المحتجين وقوات الأمن.
فما هو إذاً هذا المشروع الذي أجج البلاد غضباً ومن أيّده ومن عارضه؟
سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو خلال الفترة الماضية إلى إدخال تغييرات جذرية على النظام القضائي، لاسيما أن العديد من اليمينيين في إسرائيل يرون أن المحكمة العليا تميل إلى اليسار ونخبوية وتتدخل بصورة كبيرة في الشؤون السياسية، وكذلك تقدم حقوق الأقليات على المصالح الوطنية في كثير من الأحيان.
فضغط نتنياهو على الحكومة من أجل إدخال تغييرات من شأنها الحد من سلطات هذه المحكمة في إصدار أحكام ضد السلطتين التشريعية والتنفيذية، بينما تمنح النواب سلطة أكبر في تعيين القضاة، الذي يتطلب حاليا موافقة السياسيين والقضاة أعضاء اللجنة المعنية.
وكان من شأن هذه المقترحات الحالية المتعددة تغيير ذلك بما يمنح الحكومة نفوذا أكبر كثيرا.
وفي خضم هذه التوترات، برزت أسماء من الحكومة أيدت قرار رئيسها، بينها وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي قال إنه لا ينبغي التراجع عن التعديلات القضائية، محذراً نتنياهو الذي غير موقفه نتيجة ضغط الشارع، من حل الحكومة إذا تم تعليق التعديل.
كذلك وزير العدل ياريف ليفين، الذي دعا الحكومة للالتزام بالخطط، مهدداً بتقديم استقالته، ثم عاد أيضاً تحت ضغط الشارع الملتهب والتظاهرات، ليعلن أنه اقتنع بأهمية تأجيل التعديلات القضائية حالياً، مؤيداً قرار نتنياهو حول هذا الملف.
وأيضاً هناك وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي اعتبر أن وقف التعديلات القضائية يعني “رضوخا للفوضى”.
أما المعارضون..
فكان أبرزهم وزير الدفاع الإسرائيلي المقال يوآف غالانت، الذي رأى أن الانقسام حول تعديلات النظام القضائي يمثل خطراً مباشراً على أمن إسرائيل.
وأضاف أن مكانة إسرائيل الدولية أصبحت على المحك.
ووافقه بذلك رئيس المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، الذي عوّل على قيادات الليكود لوقف ما أسماه “جنون الحكومة” بشأن إصرارها على التعديلات القضائية.
في حين نصح وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، ومعه وزير التعليم يوآف كيش أيضا بوقف التشريع.
فيما دعا الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الحكومة إلى وقف تلك التعديلات المثيرة للجدل.
بند الاستثناء!
يشار إلى أن الحكاية بدأت حينما أعلن وزير العدل ياريف ليفين في الرابع من يناير، عزمه تعديل النظام القضائي في البلاد لتضمينه “استثناء” يسمح للبرلمان بتعليق قرارات المحكمة العليا، في خطوة فهم منها سعي الحكومة إلى تغليب سلطة النواب على سلطة القضاة، في وقت كانت تجري فيه محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتهم فساد.
وقال ليفين حينها أمام وسائل الإعلام “هناك قضاة ولكن يوجد أيضاً برلمان وحكومة.. والديمقراطية في خطر عندما ندلي بأصواتنا في صندوق الاقتراع ولكن في كل مرة يقرّر أشخاص غير منتخبين نيابة عنا”.
كما أردف قائلا: “لم يعد بإمكان القاضي إبطال القانون الذي أقرّه البرلمان”.
ومن أبرز التغييرات التي اقترحها في مشروعه هذا الذي أشعل منذ ذلك الحين حتى اليوم، سجالاً غير مسبوق في إسرائيل، وتسبب بإقالة وزير الدفاع حتى، ما يسمّى “بند الاستثناء” الذي يتيح لنواب البرلمان، بأغلبية بسيطة، إلغاء قرار صادر عن المحكمة العليا. لاسيما أنه في إسرائيل التي ليس لديها دستور، يمكن للمحكمة العليا إلغاء قوانين يقرّها الكنيست إذا اعتبرت أنها تتعارض مع القوانين الأساسية للبلاد.
وهكذا فإن إقرار “بند الاستثناء” هذا من شأنه السماح للبرلمان بإعادة وضع قانون رفضه القضاة موضع التطبيق.
لكن تلك التعديلات أججت الاحتجاجات، حيث نزل مساء أمس الآلاف إلى شوارع تل أبيب، كما أعلنت النقابات المهنية والطبية، الاثنين، الدخول في إضراب حتى التراجع عنها.
كما شل الإضراب في مطار بن غوريون حركة الملاحة الجوية ومنع إقلاع الطائرات من تل أبيب، فيما حذر وزير الدفاع المقال من مخاطر أمنية تحدق بالبلاد، وسط الشرخ الكبير الحاصل.