واشنطن– يتوزع اليهود الأميركيون، الذين يقدر عددهم بنحو 6 ملايين شخص (2% من إجمالي عدد الأميركيين)، بين 3 فئات طبقا لدرجة تدينهم والتزامهم الديني، ويجمع بينهم واجب دعم إسرائيل ومصالحها الأمنية وضمان استمرار الدعم الأميركي.
إلا أن خطوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة المتعلقة بإجراء تعديلات على النظام القضائي، وتهميش المحكمة العليا، وما صاحب ذلك من مظاهرات ضخمة في إسرائيل احتجاجا عليها، هزّت وحدة هذه التيارات بين أغلبية معارضة لنتنياهو، وأقلية مؤيدة له.
ويشكل من يوصفون بـ”اليهود المعتدلين” في أميركا 35% من يهودها، وهؤلاء اتخذوا موقفا معارضا لخطوات نتنياهو، في حين اتخذ اليهود غير المتدينين ونسبتهم 37% الموقف نفسه، غير أن من يطلق عليهم “اليهود المتشددون”، الذين تصل نسبتهم إلى 28% من يهود أميركا، أيدوا قرارات نتنياهو.
وكان للأزمة الإسرائيلية الأخيرة صدى كبير لدى يهود أميركا بطريقة مختلفة عن الأزمات السابقة، فهي أزمة حكم وديمقراطية تقترب في طبيعتها من الخلافات السياسية داخل الولايات المتحدة سواء المتعلقة بحق الإجهاض أو بحق حمل السلاح، التي عادة ما تحسمها المحكمة الدستورية العليا.
وعبر كثير من قادة هذه المنظمات عن قلقهم ليس بشأن جوهر اقتراح نتنياهو فحسب، بل بشأن تأثيره المحتمل كذلك على العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل في وقت تظهر فيه استطلاعات الرأي أن إسرائيل تفقد بعض الدعم بين الأميركيين الأصغر سنا مع ميل سياسات حكومتها إلى اليمين المتطرف.
قلق يهودي غير مسبوق
عرف اليهود الأميركيون القلق خلال الفترات المرتبطة بالحروب والمعارك العسكرية التي تخوضها إسرائيل، ولم يسبق لهم القلق على “ديمقراطية إسرائيل”. وبدا قادة عديد من المنظمات اليهودية التي كانت تتردد في انتقاد السياسات الإسرائيلية الداخلية أكثر استعدادا للتحدث علانية الآن.
وسافرت مجموعة من 30 من قادة المنظمات اليهودية المختلفة إلى إسرائيل للعمل على رأب الصدع بين أصحاب المواقف المتناقضة.
وقال المدير التنفيذي للاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية إريك فينغرهوت إن الزيارة تمحورت حول أمرين: أولهما توضيح القلق العميق الذي يسببه التوجه الجديد لنتنياهو في أوساط يهود أميركا الشمالية، والثاني هو تأكيد حب يهود أميركا لإسرائيل.
وأشار فينغرهوت إلى أن الوفد الزائر حمل رسالة ثلاثية الأبعاد، أولها المطالبة بإجراء مفاوضات من أجل التوصل إلى حل توفيقي، وثانيها تأجيل أي طرح لمشروع التعديلات لعدة أسابيع أو أشهر، وثالثا أن تتضمن الحزمة النهائية للتعديلات آليات لضبط وتوازن السلطات التنفيذية التشريعية والقضائية.
من ناحية أخرى، أرسلت الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية، وهي جهة ضخمة تجمع وتتبرع بـ3 مليارات دولار سنويا إلى إسرائيل، رسالة مفتوحة إلى نتنياهو، وزعيم المعارضة البرلمانية الإسرائيلية يائير لبيد، تعترض فيها على فكرة التجاوز القضائي، وتؤيد دعوة من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ للتوصل إلى حل وسط وتوافق في الآراء.
وجاء في الرسالة “نحن ندرك أن أي نظام للضوابط والتوازنات سيكون مختلفا عن تلك الموجودة في بلداننا، ولكن مثل هذا التغيير الدراماتيكي في نظام الحكم الإسرائيلي ستكون له عواقب بعيدة المدى في أميركا الشمالية، سواء داخل المجتمع اليهودي أو في المجتمع الأوسع”.
دموع صهيون
وشهدت بعض المدن الأميركية التي يقطنها عدد كبير من اليهود مسيرات للاعتراض على خطوة حكومة نتنياهو في تماثل مع المظاهرات داخل المدن الإسرائيلية. وعبر الآلاف في مدن بوسطن ونيويورك وفيلادلفيا وشيكاغو وميامي ولوس أنجلوس عن دعمهم لبقاء المحكمة العليا مستقلة ومحايدة.
وقال المدير السابق لرابطة مكافحة التشهير أبراهام فوكسمان إنه “إذا توقفت إسرائيل عن أن تكون ديمقراطية مفتوحة، فلن أتمكن من دعمها”.
وفي لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا، ألقت الحاخام شارون بروس خطبة بعنوان “دموع صهيون”، حثت فيها الحاضرين على عدم “النوم خلال الثورة” وطالبت بتحدي “نظام نتنياهو القومي المتطرف غير الليبرالي”.
وفي مدينة نيويورك، كتب عمدتها السابق مايكل بلومبيرغ، المدافع منذ فترة طويلة عن السياسات الإسرائيلية، مقالا في صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) قال فيه إن نتنياهو كان “يغازل الكارثة بما يهدد أمن إسرائيل واقتصادها والديمقراطية ذاتها التي بنيت عليها البلاد”.
كما عبر “المؤتمر المركزي للحاخامات اليهود” بالولايات المتحدة عن ارتياحه “لأن رئيس الوزراء نتنياهو استجاب أخيرا لأشهر من الاحتجاجات من قبل كل قطاع من قطاعات المجتمع الإسرائيلي تقريبا التي عارضت بشدة التدخل الحكومي في السلطة القضائية”.
إلا أن المؤتمر عبّر كذلك -وفي البيان نفسه- عن قلق كبير من الثمن الباهظ الذي دفعه نتنياهو للحفاظ على ائتلافه الهش سليما مقابل تأجيل الإصلاحات القضائية، والذي تمثل في اتفاق نتنياهو مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لإنشاء حرس وطني يقع تحت سلطة بن غفير.
وحذر المؤتمر من أن “تشكيل مليشيا مدنية تقع خارج نطاق الشرطة الإسرائيلية وتحت إشراف زعيم يميني متطرف، مثل بن غفير، يشكل تهديدا للديمقراطية والأمن المدني في إسرائيل”.
لا للتدخل في الشأن الإسرائيلي
ودافعت بعض المنظمات اليهودية عن نتنياهو، إذ انتقد رئيس المنظمة الصهيونية الأميركية مورتون كلاين التدخلات في الشأن الإسرائيلي، وقال إن “اليهود الأميركيين الليبراليين والأقل تدينا الذين يصرخون: هذه كارثة! هذه هي نهاية الديمقراطية! إن ذلك أمر مثير للسخرية”.
في حين قال الرئيس التنفيذي للائتلاف اليهودي الجمهوري بواشنطن مات بروكس، “مثلما سيكون من غير المناسب لدولة أجنبية أن تخبر مجلس الشيوخ الأميركي إذا ما كان يمكن تعطيل قضاة المحكمة العليا، فإن الإصلاح القضائي هو مسألة إسرائيلية ذات سيادة لا ينبغي أن تخضع لرغبات وأهواء الجالية اليهودية الأميركية”.
كما رفضت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية “أيباك” (AIPAC)، وهي أكثر المنظمات اليهودية تأثيرا في النخبة الأميركية الحاكمة، التعليق على هذا الأمر، قائلة إنها تركز على أمن إسرائيل ضد تهديدات الأعداء مثل إيران.
ولم تضف أيباك توقيعها إلى بيان مشترك صدر -الاثنين الماضي- عن اللجنة اليهودية الأميركية، ومؤتمر الرؤساء، والاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية ورابطة مكافحة التشهير، إذ أشاد البيان باستعداد نتنياهو لتأجيل الخطة القضائية على الأقل. وبدلا من ذلك، أشارت أيباك إلى السياق الأوسع للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتحديات المشتركة.