باريس- في استفتاء غير مسبوق، وبمبادرة من عمدتها آن هيدالغو، دعا مجلس مدينة العاصمة الفرنسية، أمس الأحد، الباريسيين إلى الإجابة عن استفتاء: “مع أو ضد دراجات الخدمة الذاتية في باريس؟”، وذلك بعد شكاوى ضدها متعلقة بسلامة المواطنين وضرورة الامتثال لقوانين القيادة.
وعند الساعة العاشرة مساءً، كشفت نتائج التصويت عن رفض الباريسيين قيادة هذه الدراجات على أرصفة العاصمة بنسبة 90% تقريبا، حيث شارك في الاقتراع أكثر من 103 آلاف ناخب، بنسبة بلغت 7.46% ممن يحق لهم الاقتراع.
وفي تغريدة على حسابها بتويتر، أثنت هيدالغو على المشاركة الكبيرة للناخبين، معتبرة أن نتيجة التصويت “نصر عظيم للديمقراطية المحلية”.
استفتاء شعبي
وشهدت بلديات باريس إقبالا ملحوظا من سكانها، من الساعة التاسعة صباحا إلى غاية الساعة السابعة مساء، لتقرير مصير دراجات الخدمة الذاتية.
وفي أجواء تشبه الانتخابات الرئاسية، اصطف فرنسيون خارج مقار البلديات في كل دوائر باريس، للإدلاء بأصواتهم والاختيار بين ورقتي “مع” أو “ضد”.
وقالت المواطنة فرانسواز للجزيرة نت “أشارك في كل مرة يكون هناك تصويت، بغض النظر عن الموضوع، وأدليت بصوتي اليوم في الدائرة الثامنة التي أسكن فيها لتلبية دعوة عمدة العاصمة”، وأضافت “أتمنى لو كان باستطاعتنا تنظيم استفتاء شعبي لكل الأمور التي تخص الشعب”.
وقلصت البلدية مشغلي هذه الخدمة إلى 3 فقط، موزعة على 2500 موقف انتهت صلاحية تشغيلها في نهاية مارس/آذار الماضي، وهي شركات “ليم” (Lime) و”دوت” (Dott) و”تيير” (Tier) التي تمكن المستخدمين من استئجار دراجاتها عبر تطبيقاتها الخاصة.
وتعتبر نتيجة الاستفتاء خسارة كبيرة لهذه الشركات التي ترى في باريس سوقا كبيرا ومهما يمثل حوالي 20% من أرباحها.
وانتقد ماثيو فور، أحد مؤسسي شركة “دوت”، نتيجة التصويت التي جاءت قبل وقت قصير من استضافة باريس كأس العالم للرغبي في سبتمبر/أيلول المقبل، والألعاب الأولمبية في 2024، مضيفا أن على البلدية حينها التفكير في حلول بديلة للتخفيف من حدة الإقبال على وسائل النقل العام.
وأضاف فور أن “نتيجة التصويت سيكون لها تأثير مباشر على تنقّل أكثر من 400 ألف شخص شهريا، ومستقبل 800 موظف لدينا، فضلا عن العواقب التي ستواجهها مالية المدينة”، إذ يدفع المشغلون الثلاثة أكثر من 90 ألف يورو سنويا للبلدية.
خدمة شائعة
ويستفيد قرابة 2.5 مليون شخص من خدمة السكوتر الكهربائي في فرنسا، ويمكن استئجار هذه الدراجات في أكثر من 200 مدينة بما في ذلك باريس التي تحتوي على 15 ألف دراجة من هذا النوع.
ولعل من أول الأسباب التي تتبادر إلى أذهان من صوتوا لصالح الحفاظ على هذه الدراجات التي بدأت في الانتشار عام 2018، هي مسألة توسيع خيارات النقل في البلاد، وخاصة في العاصمة الفرنسية التي تُعد من أكثر المدن كثافة وازدحاما في أوروبا.
وعلى الرغم من انتشار وسائل النقل العام من الحافلات والقطارات المختلفة بشكل منتظم ولمسافات طويلة تربط الشمال بالجنوب (أقل من 10 كلم) والشرق بالغرب (18 كلم)، وهي مسافات قصيرة نسبيا مقارنة بعواصم أخرى، إلا أن دراجات السكوتر الكهربائي تبقى الخيار الأمثل للعديد من الباريسيين.
وقال الفرنسي مات، الذي دخل للتصويت وهو يركب دراجته، “أستخدمها كل يوم للتنقل وتساعدني في الوصول إلى مواعيدي في الوقت المناسب. من غير العادل تحديد مصير وسيلة نقل تخدم فئة كبيرة من الشعب الفرنسي لأن البعض لا يستخدمونها، أو لأنهم ينتمون إلى مالكي السيارات الفارهة”.
وترى سارة، وهي طالبة في جامعة السوربون، أن “السكوتر الكهربائي مفيد جدا لأصحاب الدخل المحدود. مع هذه الخدمة، لست مضطرة إلى إنفاق المال في وسائل النقل الأخرى”.
يذكر أن عمدة باريس آن هيدالغو كانت من الداعمين الأوائل لتطوير النقل منذ انتخابها عام 2014، وهو ما عزز بناء ممرات خاصة بالمشاة وراكبي الدراجات بشكل كبير، وسهّل أيضا استقطاب عدد من الشركات الناشئة لعقد صفقات مع بلدية المدينة لنشر استخدام الدراجات البخارية.
فمنذ افتتاح خدمة شركة “ليم” في يونيو/حزيران 2018، أصبحت دراجات السكوتر الكهربائية النوع الرابع من وسائل النقل التي تقدم خاصية الخدمة الذاتية في باريس، بعد الدراجات النارية في 2016، والدراجات الهوائية في 2017، والسيارات في عام 2018.
ملوثة وخطيرة
في المقابل، يقول منتقدو دراجات السكوتر الكهربائية إنها ليست صديقة للبيئة. ويستندون إلى دراسة أجرتها الباحثة آن دي بورتولي تقول إن 60 غراما من ثاني أكسيد الكربون ينبعث من هذه الدراجة في كل كيلومتر، مما يعني أنها ملوثة بنسبة أقل من السيارات والحافلات، لكن أكثر من المترو.
فيما اعتبر آخرون أنها وسيلة نقل غير آمنة، كما أوضح كريستوف من أمام صندوق الاقتراع، وقال “عادة ما تتجاوزني العديد من هذه الدراجات وأنا أقود سيارتي، وهو أمر مربك لأنها تتحرك بسرعة كبيرة وغير عقلانية”.
وأضافت زوجته قائلة “كنت أنتظر الحافلة في المساء وشاهدت شابتين تحاولان ركوب الدراجة سويا ووقعتا عدة مرات، إنها وسيلة نقل خطيرة ويجب إيقافها لحماية أبنائنا”.
وقد كشفت دراسة أشرفت عليها بلدية باريس العام الماضي أن 26% من مستخدمي الدراجات الذاتية الخدمة تعرضوا بالفعل للعديد من الحوادث، وأن 9% من المصابين فيها بحالة خطرة.
جدير بالذكر أن البلدية اتخذت عددا من الإجراءات لمنع وقوف هذه الدراجات على الأرصفة وإجبار مشغليها على تقييد السرعة داخل العاصمة، فضلا عن رفع سن الاستخدام إلى 14 عاما بدلا من 12 عاما، وزيادة الغرامات من 35 إلى 135 يورو، إلا أنها لم تكن كافية لضبط سلوكيات مستخدميها.
وعلى خلفية استفتاء الأحد، ستختفي هذه الدراجات في العاصمة الفرنسية اعتبارا من 1 سبتمبر/أيلول المقبل، كما سبقتها في ذلك مدريد وبرشلونة ولندن وأمستردام، فهل تتوجه مدن أوروبية أخرى إلى فرض هذا الحظر؟