واشنطن- يوحد شهر رمضان المسلمين الأميركيين ويقربهم من بعضهم البعض، سواء المهاجرون منهم أو من ولد ونشأ مسلما داخل الولايات المتحدة.
ومثل الدول الإسلامية تشهد أميركا ظاهرة الموائد الرمضانية، وتنظم الكثير من المراكز والمساجد الإسلامية والجامعات موائد إفطار رمضانية مجانية للصائمين، وتتناول العائلات الأميركية المسلمة الإفطار فيها، لما توفره من مظاهر وطقوس تعكس الجو الرمضاني في الدول الإسلامية.
وقبل حلوله أصدر الرئيس جو بايدن بيانا يهنئ فيه المسلمين الأميركيين وبقية مسلمي العالم بشهر رمضان، وقال إن “المسلمين يشكلون جزءا من القصة الأميركية منذ تأسيس البلاد”.
وأضاف بايدن “يواصل الأميركيون المسلمون تعزيز نسيج أمتنا المتنوع جيلا بعد جيل، بدءا من مجالات العلوم والتكنولوجيا وصولا إلى الفنون والأوساط الأكاديمية ومرورا بالقانون والطب والأعمال والحكومة ومجالات أخرى كثيرة، لذا دعونا اليوم ننضم معا على اختلاف ثقافاتنا وأدياننا ونجدد التزامنا بأن تكون أمتنا أكثر مساواة وعدلا وتسامحا ورحمة”.
ولا يُعرف على وجه اليقين أعداد المسلمين في الولايات المتحدة، حيث تمنع القوانين الأميركية جمع معلومات الانتماء الديني في تعدادها العام الرسمي، لكن تقديرات الخبراء تشير إلى أن نسبة المسلمين تتراوح بين 1 و2% من إجمالي سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم 333 مليون نسمة، أي بين 3.3 ملايين و6.6 ملايين نسمة، وينتشر المسلمون في كل الولايات الأميركية.
الإفطار بمركز “ديانت”
وشاركت الجزيرة نت في إفطار مائدة الرحمن بمركز “ديانت” الأميركي “دي سي إيه” (DCA) الواقع في منطقة لانهام بمقاطعة برنس جورج بولاية ميريلاند على بعد 15 كيلومترا من العاصمة الأميركية.
ويقدم المسجد وجبات إفطار جماعية لآلاف الأشخاص من جميع الخلفيات: مسلمين وغير مسلمين وعائلات وطلاب وشيوخ وشباب وأطفال وأشخاص من جميع طبقات المجتمع الأميركي.
وقال فرزاد آيات -وهو مهندس تكنولوجي باكستاني يعمل في الولايات المتحدة منذ 3 أعوام- للجزيرة نت “أصلي في المركز هنا كل يوم وأتناول وجبة الإفطار كذلك، ولا يعني ذلك أنني فقير، بل على العكس أنا مرتاح ماديا، لكن القدوم للمركز يشعرني بالأجواء الرمضانية التي أفتقدها على مدار اليوم”.
وبفضل مساهمات وتبرعات العديد من المسلمين الأميركيين فضلا عن العديد من المنظمات والمؤسسات المحلية أصبحت خدمة الإفطار المجانية هذه رمزا مميزا وتقليدا لمركز “ديانت”، وفي رمضان العام الماضي انضم أكثر من 35 ألف شخص إلى الإفطارات، وفقا لتقديرات المركز.
وتحرص الكثير من العائلات المسلمة من منطقة واشنطن الكبرى على القدوم إلى الصلاة وتناول الإفطار واصطحاب الأطفال الصغار، للتعود على الأجواء الرمضانية الدينية والاجتماعية.
وتُحضر الكثير من العائلات طعامها معها، وتشارك الآخرين طعامهم، في حين تُقبل نسبة بسيطة من العائلات على تناول الوجبات المجانية التي يعتقد أنها مخصصة للمحتاجين أو الطلاب والمغتربين.
دعم متضرري الزلزال
وإضافة إلى ممارسة الشعائر الدينية -بما فيها من صيام وصلاة التراويح- يغتنم المسلمون في الولايات المتحدة أجواء شهر رمضان، لتعريف أتباع الديانات الأخرى بالإسلام عبر استضافتهم في المساجد وعلى موائد الإفطار.
وقال أحد المشرفين على المركز الإسلامي للجزيرة نت إن “تقليد الإفطار الرمضاني في مركز “ديانت” هذا العام أكثر أهمية من سابقاته، وذلك بسبب العواقب المريرة للزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا، ومع حزننا العميق على الخسائر البشرية والمادية نعمل أيضا بجد لجمع أموال المساعدات لمساعدة الناجين”.
وبالفعل، يقدم مئات المسلمين هنا يوميا عشرات الآلاف من الدولارات، للتخفيف من عبء ومعاناة الآلاف من ضحايا الزلزال من خلال التبرعات.
رجال شرطة مسلمون
وبينما يقول مسؤولو مقاطعة برنس جورج إنهم ليسوا على علم بأي تهديدات ضد مركز “ديانت” لكن تم وضع خطط لتوفير دوريات الشرطة طوال شهر رمضان حول المركز.
ورصدت الجزيرة نت 3 من رجال الشرطة المحلية ممن يساهمون في تسهيل الوصول إلى المسجد وفي تسيير المرور بالشوارع المحيطة به.
وذكر الشرطي عمر -وهو أميركي من أصول فلسطينية- أنه “كمسلم سعيد بفرصة العمل في المركز الإسلامي خلال شهر رمضان، ولا توجد أي مشكلات أمنية على الإطلاق”.
أما الشرطي آدم -وهو أميركي من أصول مصرية- فأشاد بسلوك وسلاسة التعامل مع المصلين وإدارة المركز الإسلامي، وأشار إلى أنه يسعد بالتواصل مع مسلمين من كل قارات العالم خلال خدمته في هذا المكان.
يذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان افتتح المركز الإسلامي “ديانت” في أبريل/نيسان 2016، ليصبح أحد أكبر المساجد في الولايات المتحدة، ودفعت مديرية الشؤون الدينية التركية 110 ملايين دولار لتغطية تكاليف البناء، وسجل المركز كمؤسسة غير ربحية في الولايات المتحدة، وله أصول بقيمة 93 مليون دولار وفقا لأحدث إقرار ضريبي لها.
ويشغل المركز الإسلامي مساحة تقدر بـ15 فدانا (الفدان يساوي نحو 4200 متر)، وهو مكون من 5 مبان رئيسية أولها المسجد الذي شيد على طراز العمارة العثمانية الكلاسيكية في القرن الـ16 ويتسع لـ760 مصليا، ومبنى مركز ثقافي، وبيت ضيافة، وقاعة تناول الطعام بمطعمها وتستوعب 180 شخصا، ومبنى ترفيهي يضم حماما تركيا ومسبحا داخليا ومركزا رياضيا، إضافة إلى مرآب للسيارات تحت الأرض.
كما يحتوي المسجد على مئذنتين لكل منهما رواقان، ويتميز بكونه المسجد الوحيد في أميركا الشمالية الذي يحتوي على مئذنتين.