واشنطن ـ وسط مشهد توتر العلاقات المستمر بين الولايات المتحدة والصين، ترتفع دعوات زعماء مجلسي الكونغرس لضرورة اتخاذ واشنطن موقفا أكثر صرامة من التراخي الصيني في مكافحة تهريب مخدر الفنتانيل للولايات المتحدة.
وقُتل العام الماضي ما يزيد عن 107 آلاف أميركي جراء تناول جرعات زائدة من “الفنتانيل” (Fentanyl) طبقا لإدارة مكافحة المخدرات الفدرالية الأميركية، وهو ما يزيد عن إجمالي ضحايا قتلى حوادث إطلاق النار والانتحار وحوادث المرور مجتمعة.
والفنتانيل هو مادة أفيونية اصطناعية أقوى بمعدل 50 إلى 100 مرة من المورفين، تمّ استخدامه طبيا لعلاج الآلام الشديدة التي تواجه مرضى السرطان.
وبسبب خصائصه الأفيونية القوية المسكنة للآلام بالأساس من خلال تأثيرها على النظام العصبي للمتعاطي، تم تحويل الفنتانيل إلى مخدر غير شرعي، إذ تمت إضافته إلى الهيروين لزيادة فعاليته.
وفي كثير من الحالات يتم خلط الفنتانيل مع عقاقير أخرى غير مشروعة لزيادة فعالية الدواء، ويباع على شكل مساحيق وبخاخات أنفية، ويتم ضغطه بشكل متزايد في حبوب مصنوعة لتبدو وكأنها مواد مشروعة.
الصين هي المصدر
وتؤكد السلطات الأميركية أن معظم الفنتانيل الخام مصدره موزعون صينيون يبيعونه إلى عصابات في المكسيك تقوم بمعالجته في مختبرات طبية، ومن ثم يتم تهريبه إلى داخل الولايات المتحدة.
ويمثل هامش الربح الضخم مصدر إغراء لا يقاوم لعصابات تهريب المخدرات المكسيكية، وتقدر وزارة العدل الأميركية أن الفنتانيل الذي يتم شراؤه في الصين مقابل 4 آلاف دولار، يمكن أن تبلغ قيمته حوالي 1.5 مليون دولار في الشوارع الأميركية.
وتقول مديرة إدارة مكافحة المخدرات آن ميلغرام إن الحكومة الأميركية ضبطت ما يكفي من الفنتانيل العام الماضي لإعطاء كل المواطنين الأميركيين جرعة قاتلة.
وفي 15 فبراير/شباط الماضي، عقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جلسة استماع حول مكافحة الاتجار غير المشروع بالفنتانيل، واستمع قادة المجلس فيها إلى شهادات من مسؤولي إدارة مكافحة المخدرات والبيت الأبيض حول دور عصابات المخدرات المكسيكية في سلاسل توريد الفنتانيل.
مطالبة بموقف صارم
وخلال الجلسة السابق ذكرها، قال السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية إنه “وفقا لإدارة مكافحة المخدرات، يتم إنتاج معظم الفنتانيل الذي يتم الاتجار به في الولايات المتحدة، في مختبرات سرية في المكسيك باستخدام سلائف كيميائية مؤمنة تصل من الصين”.
وأضاف “نحن بحاجة إلى استخدام كل أداة من أدوات السياسة الخارجية لدينا لوقف تدفق الفنتانيل إلى بلدنا، وهذا يعني أيضا مواجهة الصين، أشك في أن الرئيس (الصيني) شي جين بينغ يهتم بصناعته الكيميائية والصيدلانية التي تزود العصابات المكسيكية التي تغمر الولايات المتحدة بالفنتانيل”.
في حين قال زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ السيناتور جيمس ريش إن “الصين هي المصدر الرئيسي للفنتانيل غير المشروع وسلائف المواد الأفيونية الاصطناعية التي تستخدمها العصابات المكسيكية لتصنيع العقاقير القاتلة”، متابعا “لقد حان الوقت لأن تستيقظ إدارة الرئيس جو بايدن، لدينا تهديد خطير على الحدود وعلى الرئيس أن يكون جادا في معالجته، وأن تأييد الحكومة الصينية الضمني لتجارة المخدرات الضخمة هذه يمثل قضية كبيرة”.
ويتهم ريك آلن النائب الجمهوري من ولاية جورجيا بكين بعدم الرغبة في مواجهة تهريب الفنتانيل، وقال إنه “توجد جهات فاعلة سيئة في الصين وداخل الحزب الشيوعي الصيني تسمح بتشغيل وتهريب الفنتانيل القاتل لآلاف الأميركيين، ويجب أن نضع حدا لهذه الأزمة، ومعرفة عدونا هي الخطوة الأولى”.
من ناحية أخرى، تضمن “التقرير السنوي للتهديدات العالمية”، الذي عرضه مديرو أجهزة الاستخبارات أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، إشارات إلى دور الصين في أزمة الفنتانيل التي تواجها الولايات المتحدة.
الصين ترد
وأصدر معهد بروكينغز تقريرا مؤخرا بعنوان “الصين والمخدرات الاصطناعية.. الفنتانيل”، ركز فيه على وقوع المزيد من الوفيات بشكل كبير منذ عام 2012 عندما بدأت المواد الأفيونية الاصطناعية من الصين في تزويد الطلب الأميركي على المواد الأفيونية غير المشروعة من الفنتانيل.
وذكر التقرير أنه على الرغم من أن الصين وضعت قوانين رقابية على الفنتانيل في مايو/أيار 2019، بعدما ضغطت واشنطن على بكين لتبني سياسات من شأنها المساهمة في الحد من تهريب مخدر الفنتانيل، فإنها لا تزال المصدر الرئيسي (وإن كان غير المباشر) للفنتانيل المستخدم في الشوارع الأميركية، وبدلا من شحن الفنتانيل مباشرة إلى الولايات المتحدة، تتم معظم عمليات التهريب الآن عبر المكسيك.
وتقول السلطات الصينية إن العقوبات الأميركية التي طبقتها وزارة التجارة في عام 2020 ضد المعهد الصيني لعلوم الطب الشرعي في وزارة الأمن العام والمختبر الوطني للمخدرات، تعيق العمل بشأن مسألة تصدير نظائر الفنتانيل إلى المكسيك.
كما تلقي الصين باللوم في أزمة انتشار مخدر الفنتانيل على نمط لجوء الشعب الأميركي بصفة عامة لتناول الكثير من مسكنات الألم الموصوفة طبيا، بما فيها من مواد أفيونية، بسهولة وكثافة كبيرة، مما يسهل من الإدمان غير الشرعي لاحقا.