الخرطوم- حصلت الجزيرة نت على أبرز نقاط الأوراق التي قدمها الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في ورشة عمل الإصلاح الأمني والعسكري التي عقدت ضمن أعمال المرحلة النهائية للعملية السياسية بين العسكريين والمدنيين، وأدى تباعد مواقف الطرفين إلى إرجاء التوقيع على الاتفاق الذي كان مقررا اليوم السبت.
واختتمت ورشة الإصلاح الأمني والعسكري الأربعاء الماضي -وهي الخامسة والأخيرة- بمناقشة القضايا العالقة التي نص عليها الاتفاق الإطاري الموقع في ديسمبر/كانون الأول الماضي بين المكون العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، وانسحب ممثلو الجيش من الجلسة الختامية التي غاب عنها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” بسبب خلافات بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
وقال خبير عسكري حضر جلسات الورشة -التي كانت مغلقة وضُرب سياج من السرية حولها- للجزيرة نت إن أعضاء الورشة من الجيش 20 ضابطًا كبيرًا بينهم خبراء، ومثلهم للشرطة والأمن وقوات الدعم السريع، و30 من متقاعدي القوات النظامية (الجيش والشرطة والأمن)، بجانب عضوين لكل مجموعة موقعة على الاتفاق الإطاري.
مشاركة الأجانب
وأضاف أن ممثلي الجيش تحفظوا في البداية على وجود أجانب ضمن مقدمي الأوراق والمشاركة في الورشة، لكنهم وافقوا بعد توضيحات أن هناك خبراء أجانب سيقدمون أوراقًا عن تجارب الدول الأخرى في الإصلاح الأمني والعسكري، وأن ما يصدر عنهم ليس ملزما، فضلا عن أن أوراقهم لن تحمل توصيات، وأن فترة بقائهم في القاعة مرتبطة بزمن تقديم أوراقهم.
وأشار إلى أن ممثلي الجيش أقلقهم دعوة الخبيرين الأجنبيين سايمون يازجي وكريس فولكهام، اللذين شاركا في الترتيبات الأمنية لاتفاق السلام بين شمال السودان وجنوبه عام 2005 الذي انتهى بانفصال جنوب السودان عام 2011، وكانت لدى الخبيرين مواقف متشددة تجاه القوات المسلحة السودانية.
وبالإضافة إلى ورقة الجيش الرئيسية عن الإصلاح الأمني، قدم اللواء أبو بكر فقيري -القائد السابق لأكاديمية نميري العسكري- ورقة عن الترتيبات الأمنية التي تشمل قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، وورقة إصلاح الشرطة قدمها اللواء محمود سليمان، مدير أكاديمية الشرطة العليا، وورقة إصلاح جهاز المخابرات العامة في ظل نظام ديمقراطي قدمها اللواء مكي عوض محمدين.
ورقة الجيش
قدم قائد كلية القادة والأركان اللواء الركن ضياء الدين أحمد العوض، والعميد ركن مدثر إبراهيم، والعقيد بحري ركن علي طبيق ـحسب المصادر ذاتهاـ ورقة إصلاح القوات المسلحة.
واقترحت الورقة أن تتم عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش خلال الفترة الانتقالية التي حددها الاتفاق الإطاري (24 شهرا) وأن تنفذ بالتزامن مع الترتيبات الأمنية للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان وفق جداول زمنية محددة.
ودعت الورقة إلى وضع ضوابط ومعايير لضباط قوات الدعم السريع مشابهة لضوابط الكلية الحربية بشأن شروط الالتحاق بها، ومن بينها التأهيل الأكاديمي واللياقة الطبية وغيرها، وتسريح الضباط الذين جرى تعيينهم وترقيتهم بعد 11 أبريل/ نيسان 2019 أي موعد سقوط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير.
وطالبت الورقة بوقف التجنيد والتسليح وفتح معسكرات جديدة لتدريب منسوبي قوات الدعم السريع وانتشار قواتهم، إلا بالتنسيق مع الفرق والوحدات التابعة للقوات المسلحة، وذلك بدءا من التوقيع على الاتفاق النهائي.
كما طالبت الورقة بإخضاع استثمارات وشركات الدعم السريع إلى ولاية وزارة المالية والاقتصاد الوطني، ووقف التعاقدات الخارجية وحصر تزويد القوات بالمهمات العسكرية والتسليح والذخائر من الجيش، وحظر النشاط السياسي والالتزام بخروج العسكريين من المشهد السياسي.
ونادت الورقة بتفكيك البنية القبلية للقوات التي أنتجها التجنيد الجماعي للأفراد والمجموعات الإثنية لضمان قومية القوات وفقًا لقانون تأسيسها، وإلغاء كافة التعديلات اللاحقة لقانون قوات الدعم السريع الذي أقره البرلمان عام 2017.
ورقة الدعم السريع
وقدم العميد الركن عمر حمدان ورقة تحمل رؤية قوات الدعم السريع للإصلاح الأمني والعسكري، وعقّب عليه اللواء الركن محمد أحمد عباس واللواء محمد أور ناصر.
وأوصت الورقة بتجريم الانقلابات العسكرية، على أن ينص الدستور على نأي المؤسسة العسكرية عن التدخل في السياسة، مشددة على ضرورة الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية عبر البرلمان.
وطالبت الورقة بإخضاع ميزانية الدفاع للمراجعة والمساءلة من البرلمان، ومراجعة وتطوير العقيدة العسكرية وتضمين حقوق الإنسان والنوع في القانون العسكري، مشيرة إلى أهمية التدريب والتأهيل والتهيئة النفسية لعناصر المؤسسات العسكرية لقضايا التحول الديمقراطي والمرحلة السياسية الجديدة في البلاد.
وحددت الورقة خطوات رأتها ضرورية لعملية الإصلاح، أبرزها تصفية الجيش وقوات الدعم السريع من عناصر النظام السابق وأصحاب الأيديولوجيات السياسية.
وطالبت بمراجعة مناهج الكلية الحربية وشروط القبول بها وتحديد معايير جديدة تشمل منح الأقاليم فرصًا متساوية في الكلية حسب عدد سكانها، وإلغاء شرط القبول بتوصية كبار الضباط في الجيش لضمان قومية الضباط المتخرجين، داعية إلى إشراك ضباط الدعم السريع في مشاريع تحسين بيئة العمل أسوة بزملائهم من القوات المسلحة، وتحسين شروط الخدمة.
وقالت مصادر في قوات الدعم السريع للجزيرة نت إن التوافق بشأن التوصيات تجاوز 90%، موضحة أن اللجان الفنية ضيقت الفجوة في نقاط الخلاف.
وقبيل موعد الجلسة الختامية للورشة الأربعاء الماضي، بعث ممثلو الجيش التوصيات إلى قيادتهم التي طلبت منهم الانسحاب من الجلسة فورا، ورجّح أن تكون قيادتهم غير راضية عن التوصيات، أو أنها لم تشمل قضايا كانوا يرغبون في أن تكون ضمن التوصيات الرئيسية.
خلاف سياسي
وقالت مصادر في الآلية الثلاثية الأممية الأفريقية التي ترعى العملية السياسية إن الخلاف بين الجيش والدعم السريع ليس كبيرًا بشأن عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
وذكرت المصادر للجزير نت أن هناك توافقًا على مبدأ الدمج لكن الخلاف حول الفترة الزمنية، إذ ترى المؤسسة العسكرية ألا تتجاوز عامين، بينما تطرح قوات الدعم السريع 10 سنوات، في حين يرى خبراء آخرون أن تكون في غضون 5 سنوات.
وقال المحلل السياسي محمد ود أبوك -في تصريح للجزيرة نت- إن “الخلاف في قضية دمج الدعم السريع في الجيش ليس خلافًا فنيًا، بل سياسيا بسبب تقاطع في مواقف قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان حميدتي تجاه العملية السياسية والتحالفات المستقبلية”.
وأضاف أن ثمة غموضا في مصير الرجلين بعد نهاية العملية السياسية وتسليم السلطة إلى المدنيين ورجوعهما إلى الثكنات، وطالبهما بموقف واضح حول دورهما في المرحلة المقبلة، إذ إن الضبابية هي التي تثير خلافات وتطرح تساؤلات.