القدس المحتلة- بات “ذبح القربان” الهاجس الأكثر تداولا منذ أعوام، خصوصا خلال شهر رمضان المبارك، إذ يسعى المتطرفون إلى ذبح قربان حيواني داخل المسجد الأقصى بالقدس المحتلة، إحياءً لعيد الفصح العبري، إلى جانب الإصرار على اقتحام المسجد وأداء الطقوس اليهودية داخله.
فما جوهر القربان وأهميته بالنسبة للمتطرفين؟ ولماذا يحرصون على ذبحه داخل المسجد الأقصى؟ وما نسبة المؤيدين للذبح داخل المجتمع الصهيوني؟ توجهت الجزيرة نت إلى باحثين في شؤون المسجد الأقصى للإجابة عن هذه الأسئلة.
ما أهمية تقديم القربان في الأقصى بالنسبة إلى الصهاينة؟
يقول الباحث في شؤون القدس والأقصى زياد ابحيص إن ذبح القربان اليهودي له موعدان، في عيد الفصح وآخر في عيد الغفران، لكن جماعات الهيكل تركز على عيد الفصح لطابعه الخلاصي وفق النظرية التوراتية، التي تقول إن الذي دفع الرب للتدخل، وإنهاء شتات بني إسرائيل في مصر، وأخذهم إلى الأرض المقدسة، هو ذبح القربان، أي أن الدم المسفوح يحمل قيمة خلاصية في حد ذاته.
أما الأهمية الثانية للقربان -بحسب ابحيص- فهي ادعاء ممارسته سابقا في فترة الهيكل الثاني المزعوم، باعتبار أن ذبح القربان ذروة العبادة في الهيكل، لأن روح الرب تسكن فيه.
ويبيّن أستاذ دراسات بيت المقدس والباحث عبد الله معروف أن القربان يشير إلى العهد بين الله والشعب، ويُذكّر بمسألة الذبح التي يؤمن بها اليهود، وتحديدا ادعاء ذبح النبي إسحاق -عليه السلام- على صخرة بيت المقدس أو ما يسمونها قدس الأقداس، التي تقع داخل مصلى قبة الصخرة في المسجد الأقصى، ولذلك يعتقد غالبيتهم أن المذبح موجود شرق الصخرة وتحديدا تحت قبة السلسلة.
وحسب معروف، فإنه لا يمكن فهم عقلية الصهاينة وربطهم القربان بالمسجد الأقصى إلا بفهم هدفهم المعلن الذي يسعى لإقامة الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى، وإزالة جميع المباني الإسلامية منه.
ما خطورة ذبح القربان في الأقصى؟
يفسر ابحيص حرص جماعات الهيكل على ذبح القربان في الأقصى بسعيها لإكمال دورة العبادات التوراتية، التي لا تؤدى إلا داخله وفق اعتقادهم، واكتمال دورة العبادات لا يكون إلا بذبح القربان، وبتحقيق ذلك يصبح المسجد هيكلا من الناحية المعنوية، وينتقلون من التأسيس المعنوي إلى المادي، عن طريق اقتطاع أجزاء من الأقصى، وهنا تكمن الخطورة.
ولفت إلى أن ذبح القربان في الأقصى يعقّد المهمة الإسلامية في الحفاظ على هوية المسجد، لأن هذه الجماعات ستكون قد حققت مكسبا معنويا يمكن أن تجند من خلاله مزيدا من الصهاينة والمسيحيين الإنجيليين في مشروعها، على اعتبار أنها قد أتمت دورة العبادات التوراتية.
بدوره، أوضح معروف أن جماعات الهيكل قامت فعلا بتنفيذ معظم الشعائر التي تتعلق بالهيكل داخل الأقصى جهرا أو سرا، وبعضها بتواطؤ من شرطة الاحتلال، مثل النفخ بالبوق في رأس السنة العبرية، وتقديم القرابين النباتية في عيد العرش، وبذلك يبقى فقط ذبح القربان وإحراقه في الأقصى، ليبدؤوا بعدها بمحاولة إدخال الأدوات وتحقيق التقسيم المكاني.
كيف ينظر المجتمع الصهيوني إلى ذبح القربان؟
يقسّم ابحيص المجتمع الصهيوني من حيث العلاقة بالدين اليهودي وذبح القربان إلى 3 فئات:
- القومية العلمانية: تنظر إلى اليهود كشعب يهدف لإنشاء وطن قومي وكيان سياسي، ومن ثم حمايته وتأمين التفوق له وتوسيع إمكانياته وقدراته، ويعتبرون أنهم قد حققوا هدفهم، بمنأى عن فكرة الهيكل أو ذبح القربان.
- الصهيونية التقليدية: يعتبرون أنهم ما زالوا في الشتات من الناحية التشريعية التوراتية، ولا يعترفون بالكيان الصهيوني بوصفه “مملكة للرب”، ومن ثم لا يحتاجون لتعديل اجتهاداتهم الدينية، ولا يعترفون بالعلم الإسرائيلي ولا يخدمون بالجيش. فهؤلاء لا مكان للقربان أو الهيكل بالنسبة لهم، ما دام أن وجودهم في “مملكة الرب” ليس بأمر إلهي.
- الصهيونية الدينية: تعتبر (جماعات الهيكل) واجهتها في العدوان على المسجد الأقصى، وبالنسبة لها فالكيان الصهيوني هو كيان قومي للشعب اليهودي وديني للديانة اليهودية، ولا بد من تحقيق تلك المقولتين عن طريق إكمال الجزء الناقص، وجوهر الصهيونية الدينية وهو بناء الهيكل. لأنهم يرون أن الشعب اليهودي سكن الأرض الموعودة، لكن “روح الرب” لم تحل عليه، ولم يتقدس الثالوث ويكتمل. ولا يتحقق ذلك إلا ببناء الهيكل. ويعتبر أنصار الصهيونية الدينية أكثر الداعين والعاملين لذبح القربان في الأقصى.
على ضوء تلك التقسيمات، يبين ابحيص أن غالبية المجتمع الصهيوني لا تؤيد ذبح القربان في الأقصى، وترى في سعي الأقلية المؤيدة خوضا لحرب عبثية، ولا يستعدون لدفع الثمن والتغيير الاجتماعي في حياتهم الناجم عن نجاح الذبح.
أما معروف، فيوضح أن الحاخامية الرسمية لدولة الاحتلال تحرم أصلا دخول المسجد الأقصى نظرا لانتفاء طهارة الجسد بسبب نجاسة الموتى، وبالتالي تعطيل ذبح القربان الذي يتطلب الدخول إلى المسجد.
على الرغم من ذلك، ينبه ابحيص إلى وجود تغيير تدريجي في الاجتهاد الحاخامي، إذ يتحول أتباع الحاخامية التقليدية إلى الصهيونية الدينية شيئا فشيئا، وهذا ما يفسر زيادة أعداد الحاخامات الذين يتبنون جماعات الهيكل، وأحدث مثال على ذلك مطالبة 15 حاخاما حكومة الاحتلال بالسماح بذبح القربان في الأقصى خلال عيد الفصح الحالي.
هل الذبح في الأقصى وارد حاليا؟
يحذر ابحيص من التعامل العربي والفلسطيني مع ذبح القربان بصفته أجندة كاذبة مضللة، ويؤكد أن جماعات الهيكل جادة في التوجه إلى الذبح، ولديها إرادة حقيقة لفرض الهيكل، فهي تحيي فكرة القربان تدريجيا منذ 9 سنوات، وتروج له إعلاميا ودينيا وسياسيا، لكن هناك 3 متغيرات مهمة ترفع احتمالية ذبح القربان وهي:
- أن جماعات الهيكل تملك نفوذا استثنائيا في الحكومة الإسرائيلية الحالية، وتنظر إلى ذلك باعتباره نافذة تاريخية لن تتكرر ويجب استغلالها بأقصى حد.
- أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير كان محاميا متطوعا للدفاع عن الذين اعتقلوا بسبب محاولة ذبح القربان، وتعامل مع القربان باعتباره واجبا، على صعيد قناعته الشخصية وعمله السياسي.
- اختراق الصهيونية الدينية منظومة الشرطة الإسرائيلية، وولاء عديد من قيادات الشرطة للوزير بن غفير وتياره وأفكاره، وهذا الاختراق يرفع إمكانية تواطؤ الشرطة مع جماعات الهيكل أو تمريرها ذبح القربان بشكل غير مباشر وتصويره كحدث خارج عن إرادتها.
يجمع الباحثان على أن نجاح ذبح القربان في الأقصى مرتبط بمقدار الردع والضغط العربي والإسلامي، أو التراخي تجاه انتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى، إلى جانب مقدار الثمن التي سيدفعه الاحتلال حيال تنفيذ الذبح بشكل خاص أو تغوله في الأقصى بشكل عام.