كشف الفيلم الوثائقي -الذي بثته قناة الجزيرة- عن طرق استغلال النظام السوري للمساعدات الإنسانية خلال سنوات الحرب، إذ استولى عليها بشكل ممنهج ووظّفها لخدمة أجندته، ودعم مؤيديه.
وأشرفت الأمم المتحدة على أكبر استجابة دولية لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وصلت -حسب مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية- إلى أكثر من 40 مليار دولار، لكن مصير هذا الإنفاق الأممي بقي محط تشكيك وجدل مع اتهامات مستمرة للنظام السوري باستغلال المساعدات لصالحه. وجاء زلزال السادس من فبراير/شباط 2023 ليضع الجهود الأممية للإغاثة في سوريا أمام تساؤلات.
وحسب نتاشا هول (باحثة رئيسية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن) فإن النظام السوري يحاول استخدام عدة طرق للتلاعب بالمساعدات الإنسانية.
ويقول أحمد بن شمسي مدير التواصل بقسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش إن الحكومة السورية وضعت إطارا سياسيا وقانونيا يسمح لها باستغلال المساعدات الإنسانية لتمويل فظائعها، وخلقت عوائق كبيرة أمام تقديم المساعدات في بعض المناطق واستخدام هذه المساعدات لمعاقبة المعارضين وجزاء الموالين، حسب قوله.
وفي شهادته ضمن التحقيق، كشف مصدر من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن أن المنظمات الدولية تقدم موظفين يتبنون السردية الرسمية، ويرون أن الدولة السورية تحارب الإرهاب، مؤكدا أن التقرير الذي يصدر عن الموثق الإنساني الأممي لا يصدر إلا بعد تقديم مسودة لوزارة الخارجية السورية، وهي من تحدد الجمل التي يتضمنها التقرير.
وتحدث أحمد عبيد (صحفي استقصائي) عن زرع النظام السوري مخبرين ضمن المنظمات الدولية وفرض مبالغ مالية على هذه المنظمات.
أما مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية كرم الشعار فيقول إن إحدى الطرق التي يستفيد من خلالها النظام السوري من المساعدات هو إجبار المؤسسات الأممية على توظيف أشخاص مقربين منه، وأهم مثال على ذلك أن زوجة وزير الخارجية فيصل المقداد تم تعيينها مستشارة نفسية لدى منظمة الصحة العالمية العاملة في دمشق.
دور شبكة أسماء الأسد والهلال السوري
وفي مسألة التلاعب بالمساعدات الإنسانية، ركز التقرير على دور شبكة الأمانة السورية للتنمية التي ترتبط بأسماء الأسد زوجة الرئيس السوري، والتي يقول الباحث في مسارات الشرق الأوسط الدكتور سنان حتاحت إن عملها كان يركز على الجوانب التعليمية والثقافية والحوكم، ولم تقترب أبدا من الأعمال الإغاثية والإنسانية، وطرأ التغيير الرئيسي على عملها مع قيام الثورة السورية.
أما الهلال الأحمر العربي السوري -الذي يعد أكبر منظمة إغاثية تعمل في سوريا، فتظهر شبكة الكيانات والأشخاص المرتبطين بالهلال مجموعة من المتنفذين المقربين من النظام، وعلى رأسهم مديره خالد حبوباتي المعين بقرار حكومي ووزير الخارجية السابق وليد المعلم.
وأقر موظف سابق في الهلال الأحمر السوري -رفض الكشف عن هويته وصورته- في شهادته بأن التدخل الأمني في عمل الهلال كان قويا وعنيفا، إلى درجة أن سيارة إسعاف تكون مضطرة لطلب الموافقة الأمنية من أجل إسعاف الجرحى في أماكن تكون فيها مظاهرات، وزاد النظام شراسة وتدخل في أدنى تفاصيل عمل الهلال الأحمر مع اشتداد المعارك في مدينة حلب وحدوث انقسام جغرافي.
ومن بين المؤسسات المتحكمة في المساعدات الدولية في مناطق سيطرة النظام هناك “جمعية البستان الخيرية” التي أسسها رامي مخلوف ابن خال الأسد.
يذكر أنه في عام 2014، ومع اتساع رقعة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وعرقلة وصول بعثات الأمم المتحدة؛ أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2265 الذي يقضي بإدخال المساعدات عبر الحدود من دون المرور على دمشق.
وحسب مارك كيتس نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا؛ فقد كان هناك إجماع حقيقي في مجلس الأمن حول الحاجة إلى إيجاد طرق لضمان تلبية احتياجات المدنيين السوريين الذين لم يكونوا يتلقون المساعدات الإنسانية.
تجدر الإشارة إلى أن عمل الأمم المتحدة في سوريا جاء استنادا إلى قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة ينص على أن تقديم المساعدات الإنسانية ينبغي أن يكون وفقا للبلد المتضرر حفظا لمبدأ سيادة الدول، وأن الدولة المتضررة تؤدي الدور الأساسي في المساعدات الإنسانية، إلا أن الحالة في سوريا كانت مختلفة في ظل مسؤولية السلطة عن الكارثة، فقد اصطدمت الجهود الأممية بالإجراءات الحكومية والأمنية السورية.