واشنطن- قبل أكثر من 70 عاما، قال اللورد هاستينغ إيسمي الأمين العام الأول لحلف شمال الأطلنطي “الناتو” (NATO) إن الحلف يهدف إلى “بقاء روسيا خارج أوروبا، وأميركا داخلها، وألمانيا داخل حدودها”.
ويبدو أن روسيا باقية كأهم تحدّيات هذا الحلف الأطلسي -الذي يضم 30 دولة غرب وشرق أوروبا، إضافة للولايات المتحدة وكندا- خاصة بعد إقدامها على مهاجمة أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وشهد الحلف، قبل الحرب الأوكرانية، تشكيكا متواصلا في أهميته وجدواه. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، حذّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن “الناتو” معرض لخطر الموت الدماغي، بينما أشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى عدم جدوى بقائه وأنه عبء على بلاده.
واليوم، يقدم الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ كشف حساب العام الماضي، ويعرض أهم مبادرات الناتو وتحدياته لعام 2023.
2022.. إنجازات وتحديات
يرى بيتر روو، المسؤول السابق بمجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض والخبير حاليا بمعهد هادسون، أن أكبر إنجاز لحلف الناتو عام 2022 كان ثلاثي الأبعاد:
- أولا: بث الحيوية للتحالف بعد هجوم بوتين الشامل على أوكرانيا.
- ثانيا: اعتماد مفهوم إستراتيجي جديد في مدريد يتخلى عن فكرة التعاون مع روسيا.
- ثالثا: تحرّك السويد وفنلندا إلى عضوية التحالف.
وطالب روو -في حديث مع الجزيرة نت- بأن يحلّ الحلف الأطلسي محل مجموعة الاتصال الدفاعية حول أوكرانيا في تنسيق الدعم الغربي لها. وقال “هذا بالضبط هو نوع المشروع الذي يجب أن يكون في قلب الناتو كتحالف عسكري لديه كل القدرات المؤسسية” للقيام بذلك.
في حين أقر ستيف بايفر، خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكينغز، بأن الحلف “وبعد هجوم روسيا على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، سرّع من خطوات تعزيز موقفه الرادع والدفاعي، لا سيما في دول الجناح الشرقي. وقدم أعضاؤه مساعدات عسكرية وتدريبا حاسما لأوكرانيا. وقد تقدمت فنلندا والسويد بطلب رسمي للعضوية، وأتوقع أن تنضمان إلى التحالف في وقت لاحق من هذا العام”.
وأشار خبير الشؤون الأوروبية إلى استمرار بقاء “التحديات التي تواجه الحلف عام 2023 كما كانت عام 2022، وتتمثل في ضمان وضع دفاعي بحيث لا تميل روسيا إلى مهاجمة عضو في الناتو والاستمرار في دعم أوكرانيا. ومن بين أمور أخرى، سيتطلب ذلك أن يبني حلف شمال الأطلسي قاعدته الصناعية الدفاعية”.
وأضاف بايفر “حلف الناتو عامل قوة مضاعف بالنسبة للولايات المتحدة، التي لها مصلحة حيوية في استقرار وأمن أوروبا ومنطقة شمال الأطلسي. وفي غياب الحلف، فإن أوروبا ستكون أقل استقرارا”.
تحدي الحرب على أوكرانيا
أكد المفهوم الإستراتيجي للناتو عام 2000 على الرغبة في “الشراكة” مع روسيا، ولكن إستراتيجية الحلف الجديدة -التي تم تبنيها بقمة مدريد في يونيو/حزيران الماضي- شهدت إعادة التركيز على التهديدات الروسية.
ويرفض الناتو باستمرار المطالب الروسية بوقف سياسة توسيع “الباب المفتوح” التي ينتهجها الحلف. وتشير أبحاث الكونغرس إلى أن “الغزو الروسي لأوكرانيا زاد من المخاوف بشأن قدرة الناتو على الدفاع عن الدول الأعضاء من هجوم عسكري روسي” وإلى “أهمية دور الولايات المتحدة في الرد على أي هجوم محتمل، والحفاظ على تماسك التحالف فيما يتعلق بالرد المناسب”.
ويقول إيفو دالدر رئيس مجلس العلاقات الخارجية بشيكاغو إن الهجوم الروسي على أوكرانيا أحدث انتعاشا كبيرا للناتو بحيث أصبح اليوم أكثر أهمية وأكثر اتحادا في كيفية تفكيره وفي دوره عالميا -وأكثر- ربما من أي وقت مضى في السنوات الـ 30 الماضية، أي منذ نهاية الحرب الباردة.
واتخذ الناتو بعض القرارات الرئيسية بسرعة كبيرة بعد بدء الحرب الروسية في أوكرانيا، ومنها:
- زيادة كبيرة في أعداد القوات العسكرية المنتشرة في حدود الحلف الأطلسي الشرقية القريبة من روسيا.
- ونشر 4 كتائب قتالية في دول البلطيق الثلاث، وفي بولندا.
- كما عززت الولايات المتحدة بشكل كبير وجودها بأوروبا الشرقية، وخاصة بولندا ورومانيا، وهناك حوالي 40 ألف جندي يعملون الآن تحت قيادة الناتو بهذه الدول.
وبسبب الحرب الأوكرانية، يبدو أن إدارة مستقبل العلاقة مع روسيا هي التحدي الأكبر، السنوات المقبلة، أمام الحلف الأطلسي.
وافد جديد على رادار الناتو
تاريخيا، ركز الناتو على القارة الأوروبية في نطاقه الجغرافي، وعكست زيارة الأمين العام، إلى سول وطوكيو الشهر الماضي، التركيز الكبير الذي يضعه الحلف للشراكة مع دول شرق آسيا لمواجهة التحدي الصيني المتزايد.
كما شارك قادة اليابان وكوريا الجنوبية في قمة الناتو التي عُقدت بالعاصمة الإسبانية مدريد في يونيو/حزيران الماضي، والتي تبنى فيها الحلف وثيقة إستراتيجية وصفت الصين بأنها “تحد منهجي للأمن الأوروبي الأطلسي” وكانت تلك المرة الأولى التي يتم إلقاء الضوء فيها على التهديد الصيني.
وسيكون صعود وأطماع الصين العسكرية ضمن أهم قضايا جدول أعمال الحلف الأطلسي خلال 2023.
وتحت ضغط أميركي، قامت طوكيو وسول بإرسال معدات إضافية غير عسكرية لكييف مثل الإمدادات الطبية والدروع والخوذات والمولدات ومعدات الاتصالات، لكنهما لم تتجاوزا توفير الأسلحة التي تحتاجها أوكرانيا لصد الهجمات الروسية، مثل الدبابات أو المدفعية أو أنظمة الصواريخ.
ويرى بعض المحللين أن الناتو من جانبه يعمل على إقامة علاقات أوثق مع الدول ذات التفكير المماثل، وتدرك اليابان وكوريا الجنوبية تماما أوجه التشابه بين الحرب الروسية في أوكرانيا والقلق المتزايد بمنطقة المحيطين الهندي والهادي من صراع مماثل إذا قررت الصين غزو تايوان.
في الوقت ذاته، يشدد الناتو على أن الأزمة الأوكرانية ليست أوروبية بل عالمية، وتحدّ للنظام القائم على القواعد، وهذا هو السبب في حرص الحلف الأوروبي بالأساس على مشاركة الدول الأخرى في تقديم الدعم لكييف.