واشنطن- بعد أسبوع من القمة الروسية الصينية في موسكو التي أكدت على “نظام عالمي متعدد الأقطاب، ورفض فكرة الديمقراطية المتفوقة، والمطالبة باحترام تنوع الثقافات والحضارات”، يشارك الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم الأربعاء في افتتاح قمة الديمقراطية الثانية.
القمة تعقد هذه المرة في 4 دول تمثل بقية قارات العالم، وهي كوستاريكا، وهولندا، وكوريا الجنوبية، فضلا عن زامبيا.
وازدادت النقاشات في العاصمة الأميركية حول جدوى القمة، وإذا ما كانت القمة الأولى قد أنجزت أي شيء لتعزيز الديمقراطيات أو كبح المد المتصاعد للاستبداد، وإذا يجب أن نتوقع أن هذه القمة ستكون أفضل.
وكانت واشنطن قد استضافت القمة الأولى للديمقراطية ديسمبر/كانون الأول 2021، تنفيذا لتعهد الرئيس جو بايدن خلال حملته الانتخابية “بمواجهة المد المتصاعد للاستبداد العالمي الذي تقوده روسيا والصين”.
وتعتقد إيما أشفورد، خبيرة شؤون السياسية الخارجية الأميركية في مركز ستيمسون، أن إدارة بايدن جعلت إدارة حقوق الإنسان والديمقراطية جوهر خطابها في نهجها تجاه العالم، مشيرة إلى أن ذلك جاء بعد 4 سنوات من حكم دونالد ترامب، وأوضحت أنه من المهم رؤية إدارة تؤمن بالقيم الليبرالية، بدلا من التعاطف مع المستبدين كما فعل الرئيس السابق ترامب في كثير من الأحيان.
لكنها اعتبرت أن تركيز بايدن على الديمقراطية وحقوق الإنسان في السياسة الخارجية لا يعمل بشكل جيد، مضيفة أن جزءا كبيرا من دول الجنوب كانت مترددة في قبول تأطير الحرب في أوكرانيا على أنها صراع بين الديمقراطية والاستبداد، حتى إن الشركاء الرئيسيين، مثل الهند، مترددون.
وخلصت إلى أنه “بالنظر إلى هذا الأداء الضعيف حتى الآن، قد يكون من الأفضل لفريق بايدن تخفيف حدة خطاب الديمقراطية”.
جدوى القمة
ترى وزارة الخارجية، التي تلعب دورا كبيرا في تنظيم فعاليات هذه القمة، أنه بالنظر إلى البيانات والمعايير المختلفة التي تجمعها عديد من المنظمات المستقلة ذات السمعة الطيبة حول معايير الديمقراطية، فقد أصبحت حال الديمقراطية حول العالم أفضل منذ القمة الأولى.
وفي القمة الثانية، سيتم التركيز على عدة محاور فنية ترتبط بتطوير الممارسة الديمقراطية حول العالم، سواء ما يركز على أهمية وسائل الإعلام الحرة، أو الانتخابات الحرة والشفافية والحوكمة ومكافحة الفساد.
وتهدف القمة إلى تجديد الديمقراطية حول العالم، والعمل على ما تم إنجازه في القمة الأولى في إطار المواجهة الجارية بالفعل بين الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية.
وفي هذا الإطار، سيتم كذلك التطرق للأزمة الأوكرانية التي يصورها الخطاب السياسي الرسمي الأميركي على أنها اعتداء من دولة مستبدة غير ديمقراطية على جارتها الديمقراطية. وهي الأزمة التي غابت عن القمة الأولى التي عُقدت قبل شهرين من بدء الحرب الروسية في أوكرانيا.
مواجهة روسيا والصين ديمقراطيا
يقول كينيث روث المدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومن رايتس وتش إنه “يُحسب لبايدن أنه وقف بحزم ضد اثنين من المستبدين البارزين في العالم، الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونجح في جمع تحالفات ضد تهديداتهم العسكرية، وانضم إلى الجهود المتعددة الأطراف لإدانة فظائعهم، وفرض عقوبات عليهما”.
إلا أن روث اعتبر أن ما قام به بايدن من السعي لتوطيد علاقات واشنطن مع بعض الحكام المستبدين لأسباب تتعلق بأسعار النفط أو العلاقات الإستراتيجية، أضر بجهود الولايات المتحدة لدعم الديمقراطية حول العالم.
ويرى روث أن هذا النهج الانتقائي غير مبدئي، إذ تتطلب المبادئ اتخاذ موقف حتى عندما يكون صعبا، وبدا أن بايدن لا يتبنى حقوق الإنسان إلا عندما لا تكون هناك تكلفة، وهذه الانتهازية تترك عديدا من ضحايا حقوق الإنسان في العالم في مأزق، كما أنه يضعف تصريحات بايدن عن حقوق الإنسان كلما أدلى بها، على حد تعبيره.
وأكد المتحدث أن “إدانة جرائم الحرب التي ارتكبها بوتين أو قمع الرئيس شي ستكون أقل إيلاما بكثير، إذا تمكن هؤلاء القادة من تمرير تصريحات واشنطن على أنها حيلة جيوسياسية بدلا من التطبيق المتسق للمعايير العالمية”.
انتقاد روسي صيني قوي
في المقابل، انتقد السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنتونوف عقد جولة ثانية من قمة الديمقراطية، معتبرا أن هناك أسئلة أثيرت ليس فقط حول قائمة الدول المدعوة -ويعتبر الكثير منها غير ديمقراطي- ولكن أيضا من حيث المبدأ حول قدرة واشنطن وحقها الأخلاقي إلى حد كبير في فرض شرائعها وطريقة حياتها على الآخرين.
وفي حديثه لمجلة “نيوزويك” (Newsweek)، استشهد أنتونوف باستطلاع نشره مركز بيو للأبحاث أكتوبر/تشرين الأول 2021، قبل أقل من شهرين من القمة الأولى للديمقراطية، ووجد أن نحو 85% من الأميركيين طالبوا بإصلاح سياسي كبير في بلادهم، وقال إن ذلك “لا ينبغي أن يكون نموذجا يحتذى به”.
وقال السفير الروسي إنه “لا ينبغي استخدام حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان كأداة للضغط على الآخرين، هذا لا يؤدي إلا إلى زيادة التوتر في العلاقات الدولية”.
على الجانب الصيني، ذكرت افتتاحية صحيفة “غلوبال تايمز” (Global Times) أن قمة الديمقراطية تحتاج إلى كتابة وصفة طبية للولايات المتحدة أكثر من غيرها في ضوء أزمات الديمقراطية الأميركية التي لا تتوقف، مثل ارتفاع معدلات الجرائم وحوادث إطلاق النار ورفض رئيس سابق تداول السلطة سلميا.
وجاء في الافتتاحية -التي تعكس تفكير الحزب الشيوعي الصيني- أن دوافع ما تسمى بقمة الديمقراطية معادية للديمقراطية، وتخدم تماما المصالح الدبلوماسية والجيوسياسية للولايات المتحدة.
وأضافت أنه من خلال رسم الخطوط الأيديولوجية واستخدام المعايير التي وضعتها الولايات المتحدة، فإنها تقسم المجتمع الدولي إلى ما تسمى المعسكرات الديمقراطية وغير الديمقراطية، وتخلق الانقسام والمواجهة في عالم يحتاج بشكل عاجل إلى الوحدة والتعاون.
ردع اقتصادي على غرار الناتو
من ناحية أخرى، طالب رئيس مؤسسة تحالف الديمقراطيات والأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي (ناتو) أندرس فوغ راسموسن بضرورة تكاتف الدول الديمقراطية معا اقتصاديا في الصراع العالمي مع الاستبداد.
وأصدرت المؤسسة بيانا حصلت عليه الجزيرة نت، جاء فيه “نحن في صراع عالمي بين الديمقراطية والاستبداد. معا ما زلنا نمثل أكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. هذه لغة تفهمها موسكو وبكين. قد حان الوقت للديمقراطيات للوقوف ضد الإكراه الاقتصادي الاستبدادي في قمة الرئيس بايدن من أجل الديمقراطية. نحن بحاجة إلى مادة اقتصادية خامسة”.
واستوحى راسموسن الفكرة من المادة 5 من القانون المؤسس لحلف الناتو، التي تنص على أن الهجوم العسكري على حليف واحد يعتبر هجوما على الجميع. والهدف من ذلك هو إظهار نفس الردع والتضامن في المجال الاقتصادي الذي ينتجه حلف شمال الأطلسي في المجال الأمني.
ويقترح راسموسن 5 نقاط سريعة للحكومات لتطوير المادة الاقتصادية الخامسة:
- إنشاء تحالف للديمقراطيات.
- الانخراط في التضامن.
- خلق الردع الجماعي.
- فرض خطوات تنظيمية قسرية.
- تأمين التجارة الحرة بين الدول الحرة.