في صباح يوم الجمعة 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كان مسلحون من مليشيات تدعمها الحكومة يقتحمون بيوت قرية نونا الصغيرة في شمال غرب بوركينا فاسو، بيتا تلو الآخر ويقتلون المدنيين.
ووفق شهادات أدلى بها شهود عيان لمنظمة العفو الدولية، فإن المسلحين استهدفوا المدنيين من قبائل الفلان في القرية على نحو خاص.
ورغم أن الحكومة أعلنت مقتل 28 شخصًا، فإن شهود عيان قالوا إنهم دفنوا أكثر من 80 جثة بعد مغادرة أفراد المليشيا وفق مقال نشرته مجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية.
وأبرز كاتب المقال، جيمس كورترايت، الباحث في معهد الشؤون العالمية الحالية، أن جيشي مالي وبوركينا فاسو وشركاءهما الأجانب والمليشيات العرقية المحلية في المنطقة يرتكبون مذابح جماعية ضد المدنيين من قبائل الفلان في وسط مالي وبوركينا فاسو تحت ذريعة الحرب على الجماعات الإسلامية المسلحة.
استهداف وتهميش
وفقًا لبيانات نشرها “موقع النزاع المسلح ومشروع بيانات الأحداث” (the Armed Conflict Location & Event Data Project)، فإن أكثر من نصف المدنيين الذين قتلوا على يد الجيش أو المليشيات العرقية في كل من بوركينا فاسو ومالي العام الماضي كانوا من الفلان، بالرغم أنهم يشكلون حوالي 10% و%14 من السكان في كل من البلدين على التوالي.
وأشار المقال إلى أن تصاعد عمليات قتل المدنيين الفلان في المنطقة تأتي في وقت تشن فيه الحكومة هجوما ضد الجماعات المسلحة في وسط مالي، كما تزيد القوات في بوركينا فاسو العناصر المدنية المساعدة لها، إضافة لانسحاب القوات الفرنسية من كلا البلدين.
ويحذر كورترايت في مقاله من أن استهداف قبائل الفلان، بناءً على مزاعم كاذبة بأنهم جميعا يدعمون الجماعات الجهادية المسلحة، من شأنه إطالة أمد الصراع في المنطقة، وتسهيل تجنيد الفلان من قبل الجماعات المسلحة، وقد يؤدي إلى اندلاع أعمال العنف في الولايات الجنوبية ذات الوضع الأمني الهش.
وتضم قبائل الفلان، التي يعتبر جميع أفرادها تقريبا مسلمين، حوالي 30 مليون شخص، يعيشون بمناطق مختلفة في العديد من دول غرب أفريقيا.
وبالرغم من أنهم يشكلون ثاني أكبر مجموعة عرقية في كل من مالي وبوركينا فاسو، فإن قادة الفلان في البلدين يشكون من تعرضهم للتهميش على مدى عقود خاصة في الحكومة والجيش، وفق مقال فورين بوليسي.
لماذا يُستهدف الفلان؟
في عام 2015، ظهرت جماعة مسلحة جديدة في بلدتي موبتي وسيغو، وهي مناطق في وسط مالي أغلبية سكانها من الفلان، يقودها أمادو كوفا، الداعية الكاريزمي الذي أصبح متشددا بحسب المقال.
وبعد عام، ظهرت جماعة مسلحة مماثلة تطلق على نفسها اسم “أنصار الإسلام” في شمال بوركينا فاسو قرب الحدود المالية.
وقد جندت الجماعتان العديد من أفراد قبائل الفلان المهمشة التي تعتمد على الرعي، واستخدمت في ذلك المظالم التي ترتكبها بحقهم أجهزة الدولة.
ويبرز الكاتب في مقاله أن تلك الجماعات لم تكن تدعي أنها تمثل مصالح الفلان، بل سعت إلى تشكيل تحالف يجمع أعراقا عديدة، وقد كان من ضمن المدنيين الذين استهدفتهم في بداية عملياتها رؤساء بلديات وشيوخ قرى وأئمة من الفلان ممن تحدثوا عنهم بما لا يرضيهم.
وقال الكاتب إن الجيش المالي رد على ظهور الجماعتين بالاعتقالات الجماعية والتعذيب والإخفاء القسري للمدنيين والقتل خارج نطاق القانون.
ووردت أنباء عن انتهاكات مماثلة في شمال بوركينا فاسو. وكان غالبية الضحايا من المدنيين من قبائل الفلان الذين تتهمهم قوات الأمن بالتعاون مع المسلحين.
دوامة العنف
وأبرز الكاتب أن حملة الجيش القاسية كانت لها نتائج عكسية، وبعد انسحاب قوات الجيش وزيادة مقاتلي الجماعات المتمردة، أخذ سكان القرى والأرياف زمام المبادرة لتأمين أنفسهم، فشكلوا مجموعات محلية للدفاع عن قراهم. وكان بعض تلك المجموعات التي سلحت نفسها، تقيم نقاط تفتيش على مداخل القرى.
ويقول عالم الاجتماع المالي موديبو غالي سيسي إنه بالرغم من أن تلك المليشيات شكلت من أجل حماية المدنيين، فإن العديد منها اتخذ من انعدام الأمن ذريعة للاستيلاء على الأراضي وموارد المياه.
ومع تطور الأحداث، أصبحت المليشيات التي شكلت للدفاع عن القرى والأحياء ترد على هجمات الجماعات الجهادية المسلحة، من خلال مضايقة مجتمعات الفلان المجاورة لها.
تلك المضايقات تدفع الفلان للانتقام، مما يخلق دوامة عنف وجرائم قتل واسعة النطاق بين مليشيات محلية لا علاقة لها بالجماعات المسلحة، وفق الكاتب.
ويلخص سيسي الوضع بالقول إن “المليشيات ارتكبت المذابح الأولى التي استهدفت المدنيين في وسط مالي، وحولوا الصراع إلى صراع عرقي”.