بغداد– عصفت بالعراق الكثير من المشاكل والأزمات السياسية والأمنية عقب الغزو الأميركي والإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، حيث شكل الغزو الذي انطلق في 20 مارس/آذار من ذلك العام حدثا محوريا في منطقة الشرق الأوسط كانت ذريعته مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل لتدخل البلاد في غياهب صراع سياسي وأمني أودى بحياة مئات آلاف العراقيين وضياع ثروات كان يمكن لها أن تعيد بناء العراق من جديد.
فيما يلي أبرز المحطات الأمنية والسياسية التي مر بها العراق خلال 20 عاما:
قرارات بريمر
كان أول القرارات التي اتخذتها سلطة الائتلاف المؤقتة الأميركية في العراق هو حل الجيش العراقي والمؤسسات العسكرية والأمنية المرتبطة بها، وهو ما أمر به الحاكم المدني الأميركي بول بريمر في 23 مايو/أيار 2003.
بعد ذلك، تشكل مجلس الحكم لإدارة الدولة في العراق برعاية أميركية وضم شخصيات كانت معارضة لنظام صدام حسين، حيث تألف المجلس من ممثلين عن أحزاب وتكتلات عراقية مختلفة، بيد أن الصلاحيات الأساسية ظلت بيد الحاكم المدني بول بريمر، بعدها اعترفت الجامعة العربية بمجلس الحكم كممثل شرعي للعراق في الأول من يونيو/حزيران 2004، حيث وافقت على أن يجلس ممثل مجلس الحكم في المقعد المخصص للعراق في اجتماعات الجامعة.
وفي هذا الصدد، يقول أستاذ الإعلام بالجامعة العراقية فاضل البدراني إن الحاكم المدني للعراق تسبب بحل قوة عسكرية كبرى وجيش نظامي ضارب بجذوره لعشرات السنين، كان من الممكن أن يسهم في استتباب الأمن، مبينا أن إدارة بريمر ضمت شخصيات وسمت بالطائفية، حيث إنها اختيرت على أساس المذهب والعرق والدين وأن بعضها موصوم بكراهية العراقيين، على حد قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر البدراني أن مجلس الحكم يمثل إساءة أميركية بريطانية للعراق، معتبرا أن إقرار الدستور جاء بالقوة والتهديد والترغيب لمكون معين من الشعب، وأنه ضم الكثير من الألغام التي لا يزال العراقيون يعانون من تبعاتها.
من جهته، قال السفير العراقي الأسبق غازي فيصل للجزيرة نت إن الولايات المتحدة لم تسعَ لبناء ديمقراطية حقيقية ودولة مؤسسات في العراق بعد الغزو، ورغم وجود دستور ليبرالي، فإن الحركات السياسية التي جاءت مع الاحتلال هي أحزاب دعوية دينية لا تمتلك نظرية اقتصادية، وفق قوله.
الحرب الطائفية
ولعل أخطر مرحلة مرت على العراقيين في أعقاب الغزو هي الحرب الطائفية الطاحنة بين عامي 2006 و2008 التي اندلعت إثر تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، حيث ذهب ضحية هذه الحرب عشرات الآلاف من العراقيين من السُّنة والشيعة.
يقول المحلل السياسي فلاح المشعل -للجزيرة نت- إن الحرب الطائفية جاءت بعد صراع سياسي بين ساسة السُّنة والشعية، حيث بدأت بنوع من الطائفية السياسية التي كان الاستحواذ على السلطة دافعها الأول، مبينا أن الشحن الطائفي الإعلامي المتزايد انتقل إلى فئات الشعب وانعكس على استخدام السلاح في المناطق المشتركة بين السُّنة والشيعة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول المشعل “كان من الممكن تجاوز الحرب الطائفية لو درجت العملية السياسية على نشر ثقافة المواطنة وتجاوز مبدأ المحاصصة الطائفية والعنصرية إلى مبدأ العدالة الاجتماعية دون تمايز طائفي أو مناطقي”.
تداعيات الانتخابات
ومن الأحداث التي عصفت بالبلاد الانتخابات النيابية عام 2010 التي عدها مراقبون نقطة فاصلة، بعدما حصل زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي على ولاية ثانية رغم عدم فوزه بالانتخابات بالمركز الأول، حيث حكمت المحكمة الاتحادية في حينها لصالح ولاية ثانية للمالكي من خلال تحالفه مع كتل فائزة أخرى بالضد من رئيس الوزراء الأسبق -السياسي العلماني- إياد علاوي الذي حصد أعلى الأصوات في الانتخابات.
واستمر الصراع السياسي طيلة ولاية المالكي الثانية 2010-2014، حيث لم تنته إلا وقد سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على 3 محافظات عراقية في يونيو/حزيران 2014 بعدما انسحبت قوات الجيش والشرطة منها بعيد أسابيع على الانتخابات التي جرت في 30 أبريل/نيسان والتي سعى خلالها المالكي للحصول على ولاية ثالثة.
كانت سيطرة التنظيم على المناطق السنية سببا وجيها لعدم تولي المالكي الولاية الثالثة، حيث سمّى حزب الدعوة السياسي حيدر العبادي لمنصب رئيس الوزراء الذي أخذ على عاتقه إعادة تأهيل الجيش العراقي والشرطة والشروع باستعادة المدن من التنظيم حتى تحقق له ذلك في 10 ديسمبر/كانون الأول 2017 بمساعدة من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
وفي تعقيبه على الأحداث والتداعيات التي تلت الغزو، يرى الخبير السياسي والسفير العراقي الأسبق غازي فيصل أن كل ما حدث للعراق هو من تداعيات الفوضى الخلاقة التي أسس لها الغزو الأميركي والتي انعكست تداعياتها في ارتفاع نسب الفقر والأمية والبطالة والسكن العشوائي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يستدرك فيصل بأن أمام العراق تحديات كثيرة، خاصة على المستوى السياسي والأمني، مبينا أن الحرب ولّدت فوضى كبيرة بعد تحول العراق -في أعقاب الغزو- إلى ساحة مواجهات عسكرية بين القوات الأميركية وتنظيم القاعدة، ومن ثم تنظيم الدولة، وهذا ما أدى إلى تفتيت المجتمع العراقي بشكل خطير، لا سيما مع وجود المافيات وعصابات الجريمة المنظمة والمليشيات، وتفشي الفساد وغسيل الأموال والاتجار بالبشر، وفق تعبيره.
احتجاجات شعبية
ولا تكاد تنتهي أزمة بالعراق حتى تبدأ أخرى، ففي الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، اندلعت أكبر موجة احتجاجات في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب، احتجاجا على تردّي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد المالي الإداري والبطالة.
ووصلت مطالب المتظاهرين إلى إسقاط النظام الحاكم، غير أن القوات الأمنية واجهت المتظاهرين بالعنف، مما أدى لمقتل نحو 560 متظاهرا، فيما تشير تقديرات لإصابة نحو 17 ألف متظاهر بجروح، من بينهم 3 آلاف مصابون بإعاقات جسدية دائمة، الأمر الذي أدى بعد نحو شهرين من انطلاق المظاهرات لاستقالة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام.
وجاءت احتجاجات 2019 امتدادا لنظيراتها في 2011 و2014 و2016 و2018 كتعبير سلمي من قبل الجماهير الشعبية في مدن الجنوب والوسط وبعض مناطق الشمال والغرب، رفضا للفساد وسياسة المحاصصة.
ولتدارك الأزمة التي كادت تنهي العملية السياسية برمتها، كُلف مصطفى الكاظمي، الذي كان يتولى رئاسة المخابرات، بتشكيل الحكومة في أبريل/نيسان 2020 بعد اعتذار عدنان الزرفي ومن قبله محمد توفيق علاوي عن تشكيلها، حيث نجح البرلمان بصياغة قانون انتخابات جديد، لتعقد الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وبعد إعلان نتائج الاقتراع التي فاز بأكثريتها التيار الصدري، اعتبرت قوى الإطار التنسيقي الانتخابات مزورة، حيث لم يتمكن الصدريون من تشكيل الحكومة ليقدموا استقالاتهم في يونيو/حزيران 2022، أعقب ذلك اشتباكات مسلحة داخل المنطقة الخضراء بين التيار الصدري ومجاميع مسلحة في يوليو/تموز 2022، ليعلن الصدر بعدها اعتزاله العملية السياسية.
ومن ثم رشح تحالف الإطار التنسيقي الشيعي محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء، حيث تولى مهامه في أكتوبر/تشرين الأول الماضي خلفا للكاظمي، الذي انتهت حقبته بالكشف عن أكبر سرقة بتاريخ البلاد، وعرفت محليا بـ”سرقة القرن” بعد سرقة 2.7 مليار دولار من أموال الأمانات الضريبية من مصرف الرافدين الحكومي.
من جهته، يقول فاضل البدراني إن الأحداث والأزمات التي عصفت بالبلاد تمثل ملخص العبث الغربي على مدى 20 عاما، حيث يهدف لمحاولة فرض التطبيع مع إسرائيل وتذويب قضية فلسطين من عقول العراقيين، وفق تعبيره.
أما غازي فيصل فيؤكد أن الدستور نص بشكل لا لبس فيه على التوزيع العادل للثروات بين أبناء الشعب العراقي، مشيرا إلى أن الاحتجاجات يمكن أن تعود بقوة إذا ما استمرت السياسات التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة.