واشنطن- إسقاط القوات الروسية المسيّرة الأميركية من طراز “إم كيو-9” (MQ-9) فوق البحر الأسود يمثل عبئا كبيرا على الرئيس الأميركي جو بايدن، إذ وجد نفسه مطالبا باتخاذ موقف حازم ومحسوب بدقة لوقف التهديدات الروسية، من دون أن يتسبب ذلك في تصعيد عسكري بين الطرفين.
ورغم أنه لم يصدر أي تعليق رسمي من بايدن عن الحادث حتى الآن، فإن الرئيس الأميركي لا يمتلك رفاهية تجاهل ما جرى كون هذا الحادث هو الأول منذ نهاية الحرب الباردة بين البلدين، ويأتي بعد فترة قليلة من دخول منطاد صيني الأجواء الأميركية وإسقاطه.
واختلفت قراءات الخبراء الأميركيين لكيفية قيام بايدن بالرد على إسقاط الطائرة المسيّرة؛ بعضهم هاجم بايدن لسلبيته، في حين طالبه آخرون بوقف الدعم الأميركي لأوكرانيا خشية التورط في مواجهة عسكرية مع روسيا لا يريدها الطرفان.
سلبية بايدن
سياسيا، استغل عدد من كبار قادة الحزب الجمهوري الحادثة لصب مزيد من الغضب على ما اعتبروه “موقفا متراخيا من البيت الأبيض أدى لقيام أعداء واشنطن في الصين وروسيا بزيادة وتيرة استفزازهم للولايات المتحدة”.
وانتقد المسؤول السابق بوكالة الاستخبارات المركزية دانيال هوفمان -في حديثه لشبكة فوكس الإخبارية- تردد بايدن في الرد على التحديات الروسية وقبلها الصينية المستمرة، وقال إن “انتهاك بكين للمجال الجوي الأميركي بمنطاد التجسس قبل أسابيع ربما يكون قد فتح شهية موسكو لزيادة استفزازها بإسقاط الطائرة المسيّرة في البحر الأسود”.
وأضاف هوفمان أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استطاع قراءة الوضع الأميركي “كما قرأ من قبله الرئيس شي جين بينغ ضعف بايدن وتردده، وهو ما سمح لهما بتهديد المصالح الأميركية، وصولا لإسقاط الطائرة المسيرة”، مطالبا بمضاعفة الدعم العسكري لأوكرانيا ومدها بكل ما تحتاجه من أسلحة -بما فيها الطائرات المقاتلة- كي تحقق الانتصار على روسيا.
ردع بوتين
وأكد منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي أن الولايات المتحدة ستواصل العمل في البحر الأسود وفقا لما تنص عليه القوانين الدولية، “وأنه إذا كانت روسيا تريد بعث رسالة لواشنطن بعدم الطيران فوق البحر الأسود، فإن هذه الرسالة فشلت”.
في حين صرح السفير الروسي لدى واشنطن أناتولي أنطونوف بأن تحليق طائرة “إم كيو-9” المسيّرة، التي سقطت في البحر الأسود، خطوة استفزازية أميركية، مشيرا -في حديث لوكالة تاس الروسية- إلى أن الطائرة “كانت تنفذ التحليق مع أجهزة إرسال إشارات غير عاملة، ودخلت منطقة العملية العسكرية الخاصة”.
وفي حديث مع شبكة “سي إن إن” (CNN)، قال الجنرال المتقاعد مارك هيرتلينغ إنه “لحسن الحظ أنها طائرة بدون طيار، وهذا يعني أنه لا توجد إصابات أو ضحايا، لكنني متأكد من أن الرئيس بايدن سيفكر في أن ما يحاول تجنبه هنا، بالطبع، هو التصعيد مع الروس”، وعلينا أن نتذكر أن هدف بايدن الأول في هذه الحرب كان مساعدة الأوكرانيين.
وأضاف أن “هدف بايدن الثاني في هذه الحرب هو تجنب التصعيد وأي شيء يمكن أن يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، الآن، لدينا طائرة أُسقطت، ومع ذلك علينا إدراك أن روسيا تبدو مستعدة الآن لتحمل مزيد من المخاطر للرد على التدخل الأميركي في الحرب”.
واتفق السيناتور الجمهوري روجر ويكر من ولاية مسيسيبي مع الطرح السابق، وطالب باعتبار حادثة البحر الأسود “دعوة للاستيقاظ للانعزاليين”، الذين يطالبون بانسحاب واشنطن من القضايا العالمية والتركيز على الداخل الأميركي.
With today’s loss of a U.S. Air Force MQ-9 Reaper drone in the Black Sea, we are once again reminded of the treacherous reality of our involvement in the Russia-Ukraine war.
The United States of America has already been depleted of more than $100 Billion for aid to Ukraine.…
— Rep. Matt Gaetz (@RepMattGaetz) March 14, 2023
دعوة لوقف الدعم لأوكرانيا
جاءت حادثة الطائرة المسيّرة بعد يوم واحد من دعوة حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس -الذي يتوقع له أن يخوض غمار السباق الرئاسي لعام 2024- بضرورة توقف الولايات لمتحدة عن دعم معركة أوكرانيا وروسيا، واصفا إياها بأنها “نزاع إقليمي” لا يخدم مصالح واشنطن.
ويتفق كثير من الزعماء الجمهوريين، بمن فيهم الرئيس السابق دونالد ترامب، على غياب مصلحة أميركية مباشرة من الانزلاق لمواجهة غير ضرورية مع روسيا بسبب أوكرانيا، في الوقت الذي تتضاعف فيه التهديدات الصينية للهيمنة الأميركية حول العالم.
وهاجم النائب الجمهوري مات غايتز، عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، الرئيس جو بايدن وطالبه بالتوقف عن تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا، وغرد غايتز قائلا إنه “مع خسارة طائرة بدون طيار تابعة للقوات الجوية من طراز (إم كيو-9) في البحر الأسود، يتم تذكيرنا مرة أخرى بالواقع الأليم لمشاركتنا في الحرب الروسية الأوكرانية”.
وأضاف غايتز أن الولايات المتحدة أنفقت بالفعل أكثر من 100 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا، “الآن، نحن نفقد التكنولوجيا الأميركية الثمينة التي تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات، ومن المستحيل تجاهل الخطر الرهيب لحرب أميركية شاملة مع روسيا. أدعو الرئيس جو بايدن مرة أخرى إلى إنهاء مشاركتنا في هذه الحرب، قبل أن يتغير عد الدولارات المفقودة في هذا الصراع ليصبح إحصاء لأعداد القتلى الأميركيين”.