طهران- بعد نحو 41 عاما من اختطافه، أعلن القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي عن استشهاد قائد “لواء محمد رسول الله” في الحرس الثوري أحمد متوسليان، كاشفا بذلك عن أحد أكثر الألغاز تعقيدا في تاريخ الجمهورية الإسلامية بشأن اختطافه في لبنان عام 1982 مع 3 إيرانيين آخرين أثناء مهمة عسكرية.
وفي وقت كانت فيه البيانات السنوية للخارجية الإيرانية تصرّ على أن المختطفين يقبعون “في زنازين الكيان الصهيوني”، جاء تصريح اللواء سلامي مفاجئا؛ حيث اعتبر أحمد متوسليان -الذي كان يحمل رتبة لواء- بأنه “أول شهيد إيراني في سبيل تحرير القدس”.
وأضاف سلامي -خلال لقائه مع أسرة متوسليان بمناسبة رأس السنة الإيرانية- أن “فتوحات جبهة المقاومة في الوقت الراهن هي ثمرة الطريق الذي استهله لتحرير القدس والشعب الفلسطيني المظلوم من غطرسة وظلم الاحتلال الصهيوني وداعميه”.
وعقب النقاشات الحادة التي استمرت عقودا حول ما إذا كان متوسليان على قيد الحياة أم لا، اعتبرت الأوساط الإيرانية تصريح اللواء سلامي إبلاغا رسميا باستشهاد متوسليان وإغلاقا لباب التحقيق في القضية، في حين ما تزال فئة آخرى تصرّ على متابعة الملف حتى عودته أو إرجاع رفاته إلى البلاد.
مطالب الأهالي
وعما إذا كانت أسرة أحمد متوسليان تعتبر تصريح اللواء سلامي إبلاغا رسميا، عبّر شقيقه أمير -في حديث للجزيرة نت- عن استغرابه من نشر الحوار الخاص الذي دار بين سلامي ووالدته، مطالبا سلطات بلاده بإصدار بيان رسمي حول مصير شقيقه أحمد ونشر الوثائق التي تثبت استشهاده ومصيره.
ويعتقد متوسليان أن المصالح السياسية تطغى على ملف اختفاء شقيقه ورفاقه، موضحا أن هناك شريحة في بلاده وأسرة أحد المختطفين في لبنان ترى مصلحتها في عدم حسم الملف لاستغلاله من أجل مصالحها الشخصية.
وأضاف أمير أن أسرة متوسليان لا تزال ترى مصير ابنها غامضا وتطالب بإعادة رفاته في حال كان شهيدا أو وجود ما يثبت استشهاده، مبينا أن اختبارات الحمض النووي كانت سلبية ولم تظهر أية علاقة للرفات الذي أعيد قبل سنوات من لبنان مع جينات أسرة متوسليان.
أما رائد موسوي، نجل القائم بأعمال السفارة الإيرانية لدى لبنان محسن موسوي المختطف رفقة متوسليان، فقال للجزيرة نت إن أسرته لم تتلقَ أي إبلاغ بخصوص استشهاد والده، وإنها تعتبره على قيد الحياة وتطالب السلطات بمتابعة الملف حتى الحسم النهائي.
مهمة عسكرية
وفي خضم الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وتحديدا عقب 13 يوما من تحرير القوات الإيرانية مدينة خرمشهر (مايو/أيار 1982)، قرر المجلس الأعلى للدفاع تكليف القيادي أحمد متوسليان بمهمة عسكرية لمساعدة جنوب لبنان في مواجهة الاجتياح الإسرائيلي، وذلك لدوره البارز في إخراج القوات العراقية من مدينة خرمشهر.
وتوجّه متوسليان، الذي كان قائدا للواء “27 محمد رسول الله”، إلى دمشق ضمن مجموعة من كبار القيادات السياسية والعسكرية، ليتولى مسؤولية إرسال قوات الحرس الثوري الإيراني إلى سوريا للمساعدة في مواجهة إسرائيل.
لكن على النقيض من القيادات العسكرية التي كانت ترى أن الحرب العراقية الإيرانية أوشكت على النهاية بعد تحرير مدينة خرمشهر، كان مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني يؤمن بضرورة حسمها نهائيا قبل اتخاذ أي قرار بشأن الحضور العسكري في الجبهات الأخرى، مما أدى إلى تغيير المهمة من الحضور العسكري المباشر إلى تدريب بعض اللبنانيين ومساعدتهم على مواجهة إسرائيل.
وبعد عودة أغلب القيادات العسكرية الإيرانية من سوريا إلى طهران، قام متوسليان بمهمة استطلاع للوضع في بيروت قبيل عودته إلى بلاده، وذلك رفقة كل من: محسن موسوي القائم بأعمال السفارة الإيرانية لدى لبنان، وكاظم أخوان مصور وكالة أنباء “إرنا” الرسمية، وتقي رستكار مقدم سائق السفارة. لكن تم توقيفهم في 5 يوليو/تموز 1982، أثناء مرورهم بحاجز “البربارة” في طريقهم من مدينة طرابلس إلى بيروت.
وتقول الرواية الإيرانية إن قوات حزب الكتائب اللبناني كانت تسيطر على هذا الحاجز إبان الحرب الأهلية اللبنانية، وتتهم قوات الكتائب بالوقوف وراء اختفاء الإيرانيين الأربعة.
نتائج الأبحاث
وكان الباحث في الشؤون الحربية حميد داود آبادي، قد نشر كتابا تحت عنوان “راز أحمد” (سِر أحمد)، يسرد أحداث ذهاب أحمد متوسليان إلى سوريا ومنها إلى لبنان واختطافه على حاجز البربارة، ويستنتج أنه قُتل عقب التوقيف بفترة قصيرة.
ويذكر الباحث في كتابه أنه في الأيام الأخيرة من بحثه عن مصير متوسليان، التقى بالجنرال قاسم سليماني وتحدث إليه بشأن نتائج البحث، حيث قال له سليماني “نعم لقد قتل الأربعة في تلك الليلة”، مضيفا أن الجنرال سليماني كان قد أيّد كذلك نتائج تحقيقاته بشأن وصول رفات المختطفين إلى طهران.
على صعيد متصل، كان إحسان محمد حسني، مدير مؤسسة “أوج” الفنية والإعلامية المقرّبة من الحرس الثوري، قد فجّر قنبلة مشابهة عام 2020، معتبرا المختطفين “في عداد الشهداء”، مضيفا أن “مكان دفنهم محدد”.
وفي مقال له نشرته وكالة أنباء مهر الإيرانية، كتب محمد حسني أن “ثمة أنباء تشير إلى تصفية متوسليان ورفاقه رميا بالرصاص على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، بعد اختطافهم بأيام قصيرة على يد مليشيات حزب الكتائب العميلة للكيان الصهيوني”.
شهادات لبنانية
في غضون ذلك، أوضح الباحث في تاريخ إيران الحديث محمد علي صمدي، أن هذه التحقيقات وغيرها تستند إلى شهادات بعض الشخصيات اللبنانية من حزب الكتائب وآخرين يزعمون أنهم كانوا مع الإيرانيين المختطفين في زنزانة واحدة، إلا أنه رأى تضاربا كبيرا في الروايات اللبنانية.
وأوضح صمدي للجزيرة نت أن استخدام وصف “الشهيد” لمتوسليان لا يعني إبلاغا رسميا، وإنما هو إجلال لمقام هؤلاء المختطفين، وأنه لا تغيير في موقف بلاده الرسمي حيال الملف إلا بعد إصدار بيان رسمي من وزارة الخارجية أو الجهات المعنية الأخرى.
وعما إذا كانت جثامين بعض المختطفين قد وصلت إلى طهران، أكد صمدي أن الرفات الذي نقل إلى طهران لا يتطابق مع جينات ذوي المختطفين.
وخلص صمدي إلى أن الجمهورية الإسلامية تحمّل “الكيان الصهيوني” مسؤولية هذه الجريمة باعتباره المسؤول الأصلي عن ارتكابها على أيدى القوات اللبنانية المتحالفة معه، مشيرا إلى أن لبنان كان محتلا حينها من قبل إسرائيل، وبالتالي تقع عليها المسؤولية السياسية والقانونية لجريمة الاختطاف.
“شهيد القدس”
وبالعودة إلى تصريحات القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، الذي وصف أحمد متوسليان بأنه “أول شهيد إيراني في سبيل تحرير القدس”، يوضح الباحث المقرب من الحرس الثوري مهدي شكيبائي أنه عقب إعلان الموقف الرسمي للجمهورية الإسلامية بشأن القضية الفلسطينية، كان متوسليان سبّاقا وتواقا للمشاركة في جبهات القتال “ضد الكيان الصهيوني”.
وأوضح شكيبائي للجزيرة نت أن متوسليان “كان مؤمنا بهزيمة الكيان الإسرائيلي ودحره من فلسطين”، وكان سببا “لكي تطاله يد الإرهاب الإسرائيلي”، مضيفا أن “يد الغدر الإسرائيلية لم تستطع احتواء أفكاره التحررية”، على حد تعبيره.
وختم الباحث الإيراني بالقول إن التمثال الذي شُيّد في حديقة مارون الراس جنوبي لبنان يظهر متوسليان وهو يشير بإصبعه إلى فلسطين المحتلة، في دلالة على كلمته الأخيرة التي وجهها إلى قواته يحثهم على مقارعة الاحتلال الإسرائيلي حتى تحرير القدس.