بشق خنادق وحقول ألغام و”أسنان تنين”، يكثف الروس خطوط تحصيناتهم على الجبهة وفي شبه جزيرة القرم، مما يشير إلى انشغال موسكو بالعمل على مواجهة الهجمات الأوكرانية المحتملة في الأسابيع المقبلة.
ويعني ذلك أن تمكن قوات كييف من اختراق هذه الخطوط ونجاح مركباتها المدرعة في عبور عدد لا يحصى من الخنادق وحقول الألغام سيكون أحد العوامل الحاسمة في نجاح أو فشل الهجوم المضاد الأوكراني المعلن في الربيع.
ورأت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية -في تقرير بقلم سيدريك بيترالونغا- أن موسكو بدأت في الصيف بناء خطوط الدفاع الأولى حول ماريوبول ودونيتسك، وكثفت حملة التحصين في الأشهر الأخيرة في كل الجبهات.
ولفتت إلى أن صور الأقمار الصناعية التي نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) بداية هذا الشهر تُظهر عشرات الخنادق التي حفرت في شبه جزيرة القرم التي هي تحت السيطرة الروسية منذ عام 2014، وذلك يعني مخاوف روسية كبيرة وأن موسكو لم تعد تستبعد هجوما أوكرانيا في شبه جزيرة القرم.
وقال الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ليو بيريا-بينيه إن “قدرة الأوكرانيين على اختراق خطوط الدفاع الروسية، وبالمثل قدرة الروس على الاحتفاظ بها، ستكون حاسمة لتطور الحرب”، بخاصة أن موسكو قررت إكثار التحصينات بعد نجاح الهجوم المضاد الأوكراني في منطقة خاركيف بنهاية الصيف.
حرب استنزاف
ويمثل تكثيف خطوط الدفاع برأي الخبراء العسكريين أحد أعراض تطور الصراع، إذ إن الروس يبنون التحصينات لأنهم أصبحوا يخوضون حرب استنزاف ولم يعودوا قادرين على الحركة. ويوضح تيبو فوييه الباحث في مؤسسة البحوث الإستراتيجية الفرنسية أن هذا هو منطق الحرب العالمية الأولى، فيقول “بسبب عدم قدرتنا على المناورة، فإننا نحفر خنادق لإبطاء العدو ولإتاحة الوقت للتراجع في حالة جيدة عند اختراق الخصم لصفوفنا”.
ومع أن “الهدف من الجهاز المحصّن هو إبطاء الخصم من أجل إلحاق خسائر به”، كما يرى مصدر عسكري فرنسي، فإن البعض يشكك في جودة الأنظمة التي أقامتها موسكو. ولذلك يرى مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في مركز التحليلات البحرية بالولايات المتحدة، أن الجيش الأوكراني يستطيع اختراق الخطوط الروسية، لكن الهجمات السابقة تشير إلى أنه يواجه صعوبة في الحفاظ على الزخم بعد تحقيق اختراق”.
وإدراكا من الأوكرانيين لصعوبات اختراق هذه التحصينات، طلبوا من الغربيين منذ أشهر معدات تهدف إلى “اختراق” الدفاعات المحصنة والتغلب على العقبات، سواء كانت طبيعية كالأنهار والخنادق أو كانت مما بناه الروس، وقد زودتهم واشنطن بـ14 عربة مدرعة تنشر جسورا متنقلة، بالإضافة إلى عدد غير محدد من وسائل إزالة الألغام، كما وعدت ألمانيا بمدرعات لإزالة الألغام و4 جرافات قوية مع نحو 20 جسرا جاهزا.
ومع ذلك، لا تزال هذه المساعدة غير كافية -وفقا للمحللين العسكريين- ويمكن أن تحدّ من قدرة الأوكرانيين على شن هجوم مضاد كبير، ولذلك “لا يمكن لأوكرانيا الاعتماد على مساعدة كبيرة في هذا المجال، وسيتعين عليها إعطاء الأولوية لمحاور مناوراتها”، كما يقول تيبو فوييه.