هذا السؤال طرحه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي خلال زيارة قصيرة قام بها لباخموت شرقي أوكرانيا، المدينة التي دمرتها الحرب وهجّرت سكانها، والتي أصبحت مركزًا للمعارك الدائرة بين القوات الروسية والأوكرانية.
وتعتبر معركة باخموت من أطول المعارك وأكثرها دموية في الصراع الروسي الأوكراني الذي دخل عامه الثاني.
وتشير التقارير إلى أن مئات الجنود من الجانبين الأوكراني والروسي يموتون يوميا في المدينة وحولها منذ اشتداد وطيس المعارك في أغسطس/آب من العام الماضي.
وتقدمت القوات الروسية خلال الأسابيع الأخيرة في شمال المدينة وجنوبها، وقطعت 3 من طرق الإمداد الأربعة للقوات الأوكرانية، ولم يتبقَّ سوى منفذ واحد هو الطريق المؤدي إلى الغرب باتجاه تشاسيف يار.
وتشير تقارير أوكرانية رسمية إلى حجم الهجوم الروسي الهائل على المدينة الذي استخدمت فيه الضربات الجوية، ونيران المدفعية وقذائف الهاون، وعشرات الهجمات اليومية من قبل القوات البرية الروسية.
وذكرت هيئة الأركان العامة الأوكرانية أمس الاثنين أن روسيا “تواصل محاولتها الهجومية على باخموت والبلدات المحيطة بها”، حيث قصفت أكثر من 12 موقعًا فيما تصدت القوات الأوكرانية لحوالي 100 هجوم يوم الأحد الماضي وحده.
وتعتبر باخموت، التي كان عدد سكانها نحو 70 ألف نسمة قبل الحرب، جزءًا من تكتل أكبر للمدن والبلدات يضم بلدة سوليدار التي تقع شمال شرق باخموت، والتي سيطرت عليها روسيا قبل شهرين بعد معارك طاحنة شارك فيها عشرات الآلاف من مقاتلي فاغنر.
باخموت هي المفتاح
ونقل تقرير لموقع الجزيرة الإنجليزية عن المحلل السياسي المقيم في كييف ألكسي كوش قوله إن القتال في دونباس الآن يسير وفق تكتلات ومحاور، مشيرا إلى أن محور باخموت – سوليدار هو المفتاح الرئيسي للسيطرة على مدن وبلدات دونباس الأخرى ذات الأهمية الإستراتيجية والمحصنة بشدة، ومنها تشاسيف يار وكراماتورسك وسلوفيانسك.
وأشار التقرير إلى أن الروس يحاولون الاستيلاء على بلدتين هما كريمينا، التي تقع على بعد 75 كيلومترًا من باخموت شمالا، وفوليدار التي تقع على بعد 150 كيلومترًا إلى الجنوب منها.
وفي تصريح أدلى به للجزيرة أشار الجنرال إيهور رومانينكو، النائب السابق لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، إلى أن القوات الأوكرانية سيكون عليها الصمود بضعة أسابيع أخرى في انتظار أسلحة غربية متطورة من ضمنها دبابات ليوبارد المتقدمة المصممة لمحاربة وتدمير المركبات المدرعة من الحقبة السوفياتية، وقوات أوكرانية إضافية مدربة على استخدام تلك الأسلحة.
وقال رومانينكو “وبعد أن نوقف تقدمهم ونشكل احتياطاتنا الإستراتيجية -آخذين في الاعتبار هذه الأسلحة والوحدات العسكرية المدربة- يمكننا التحدث عن شن هجوم مضاد”.
ماذا تعني السيطرة الروسية على باخموت؟
رغم أهمية باخموت، فإن خبراء يرون أن انسحاب القوات الأوكرانية من المدينة المحاصرة لن يكون أمرا كارثيا بالنسبة لكييف.
ويرى نيكولاي ميتروخين، المؤرخ بجامعة بريمن الألمانية، أن باخموت تكتسي أهميتها من كونها خط دفاع ثانيا للقوات الأوكرانية في دونباس، لكن أهميتها تراجعت إلى حد كبير بعد خسارة سوليدار والبلدات المحيطة بها، وأصبحت محاصرة من 3 جهات ونصف الجهة الرابعة، لذلك فإن خسارتها لن تشكل فرقا كبيرا في مسار الحرب.
ورغم ما سبق، يرى ميتروخين أن سقوط باخموت في قبضة القوات الروسية من شأنه أن يذلل العقبات في طريق تلك القوات لمهاجمة خط دفاع القوات الأوكرانية الثالث، وهو محور توريتسك الذي يمتد على مسافة تبلغ نحو 100 كيلومتر تقريبًا غربي باخموت.
وتوقع ميتروخين أن القوات الروسية ستتمكن فقط من محاصرة تشاسيف يار خلال الأسبوعين المقبلين، نظرا لمقاومة القوات الأوكرانية وطقس الربيع الذي يجعل التربة رطبة ما يعني طرقات وعرة في كثير من الأحيان.
كما توقع ألا تتمكن القوات الروسية من الوصول إلى ضواحي كونستانتينوفكا وكراماتورسك، وهما بلدتان إستراتيجيتان تقعان على بُعد 27 كيلومترًا و55 كيلومترًا على التوالي غربي باخموت، قبل منتصف مايو/أيار المقبل.
وقال “سيستغرق الأمر عامًا أو أكثر لاقتحام خط الدفاع الثالث” على طول حدود منطقة دونيتسك ولوغانسك التي تضم مئات المواقع شديدة التحصين ومتاهة من الخنادق والملاجئ.
وفي السياق نفسه، يقلل مسؤولون أميركيون من أهمية مدينة باخموت من الناحية الإستراتيجية مع تقدم القوات الروسية.
وفي أحدث التصريحات، قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن -أثناء زيارته العاصمة الأردنية عمّان- إن قيمة باخموت رمزية أكثر منها إستراتيجية أو عملياتية.
وأضاف أوستن أنه إذا سقطت باخموت فهذا لا يعني أن روسيا أحدثت تغييرا جوهريا في مجريات الحرب، وفق تعبيره.