واشنطن- قبل ساعتين من بدء جلسة استجواب الرئيس التنفيذي لشركة تيك توك “شو زي تشيو” أمس الخميس أمام لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب الأميركي، قالت الحكومة الصينية إنها ستعارض بشدة أي بيع قسري لتيك توك (TikTok)، وجاء ذلك ردا على طلب إدارة الرئيس جو بايدن بأن يسحب التطبيق نفسه خارج الشركة المالكة لها وهي “بايت دانس” (ByteDance)، ومقرها بكين، وأن يباع لشركة أميركية، أو يواجه حظرا على مستوى الولايات المتحدة.
وقالت وزارة التجارة الصينية إن البيع القسري للتطبيق من لدن واشنطن قد يضر بثقة المستثمرين الصينيين في الولايات المتحدة، وقالت إن أي بيع لتيك توك يندرج تحت قضايا تصدير التكنولوجيا التي يجب التعامل معها وفقا للقانون الصيني، وبموافقة حكومة بكين.
وفي تصريحات معدة سلفا اطلعت عليها الجزيرة نت، قال شو إنه يقدم عدة التزامات تهدف لمعالجة المخاوف الأمنية، بما في ذلك إعطاء الأولوية للسلامة خاصة للمراهقين، وتأمين بيانات المستخدم الأميركي من وصول أي جهة أجنبية إليها، وتعزيز حرية التعبير التي لا تتأثر بأي حكومة.
افتقاد المصداقية
واستبق السيناتور الديمقراطي مارك وارنر جلسة استجواب المدير التنفيذي لتيك توك، وأصدر بيانا ليلة أول أمس الأربعاء قال فيه “إنه بينما يقدر استعداد شو للإدلاء بشهادته أمام الكونغرس، فإن افتقار تيك توك إلى الشفافية وممارستها التشويش المتكرر وتحريف الحقائق قد قوض بشدة مصداقية أي تصريحات من قبل موظفي التطبيق، بما في ذلك السيد شو نفسه”.
ويستشهد العديد من أعضاء الكونغرس بشهادة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” (FBI) كريستوفر راي بشأن تيك توك أمام الكونغرس قبل شهرين، إذ حذر من أن “الحكومة الصينية يمكنها التحكم في خوارزمية محتوى تيك توك، مما يسمح لها بممارسة عمليات تأثير داخل الولايات المتحدة”.
ويقول المدير التنفيذي لتيك توك إنه “بينما يمثل المستخدمون في الولايات المتحدة 10% من إجمالي مستخدمي التطبيق حول العالم، فإن صوتهم يمثل 25% من إجمالي المشاهدات حول العالم”، وبلغ عدد مستخدمي التطبيق 1.5 مليار شخص العام الماضي، منهم 150 مليون أميركي.
وتمثل هذه الأرقام مصدر قلق آخر للمشرعين، ويتخوفون من إمكانية تأثير تيك توك على جيل كامل من الشباب الأميركي، حيث أصبح تيك توك شيئا من الدعامة الثقافية الأساسية للتعليق على الإنترنت والكوميديا والتعبير السياسي.
وشكل مجلس النواب الأميركي لجنة خاصة تركز على المخاطر الصينية، وقال بعض المشرعين في أول جلسات اللجنة إن بكين يمكن أن تخترق تيك توك من أجل التجسس بشكل أساسي على المستخدمين، والوصول إلى بيانات المستخدمين الأميركيين.
وحذر مشرعون آخرون من إمكانية استخدام الحكومة الصينية التطبيق لنشر دعاية انتخابية مغرضة بين الناخبين الأميركيين.
مراجعة وإنذار
وبعد مراجعة أمنية لمدة عامين، أخبر مسؤولو البيت الأبيض تيك توك أنه يجب عليها سحب استثماراتها من شركة “بايت دانس”، أو مواجهة عقوبة شديدة في الولايات المتحدة، بما في ذلك إمكانية الحظر.
ومثّل الإنذار الواضح الصادر عن لجنة “الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة” (CFIUS)، وهي جهة فدرالية مهمتها مراقبة المخاوف الأمنية للاستثمارات الأجنبية، وتتألف اللجنة من ممثلي وزارات الخزانة والعدل والأمن الداخلي والدفاع والتجارة، نقطة تحول في ملف معالجة المخاوف الأميركية من روابط تيك توك بالسلطات الصينية.
وتخضع الشركة المالكة لتيك توك ومقرها بكين للقوانين الصينية، حيث تخضع لقوانين طلب البيانات الصينية التي تجبر الشركات على تسليم المعلومات حول العملاء إلى الحكومة.
محاولات لا تتوقف
رغم عدم حظر التطبيق على الأجهزة الشخصية في دول العالم، باستثناء الهند إثر نزاع حدودي مع الصين عام 2020، فقد حظر عدد من الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، التطبيق على الأجهزة الحكومية.
ففي عام 2020، وقع الرئيس السابق دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يحظر فعليا تيك توك داخل الولايات المتحدة، إلا أن تيك توك قاتلت القرار ونجحت في إيقافه بعد رفع عدة دعاوى قضائية.
وفي أواخر 2022، وقع الرئيس الأميركي تشريعا يحظر تيك توك على أجهزة الحكومة الفدرالية، وسنت أكثر من نصف الولايات الأميركية حظرا مماثلا.
وثمة أكثر من 1200 دعوى قضائية ضد تيك توك رفعتها عائلات أميركية تزعم أن محتوى التطبيق أثر بشكل عميق على الصحة العقلية لأطفالها، وفي بعض الحالات ساعدهم على الانتحار.
“لسنا عملاء للصين”
وقال المدير التنفيذي لتيك توك في جلسة استجواب أمام الكونغرس، أمس الخميس، إن التطبيق يقوده فريق تنفيذي مقره في الولايات المتحدة وسنغافورة، وأشار إلى أن الشركة لديها مكاتب في جميع أنحاء العالم.
وأضاف شو “أفهم أن هناك مخاوف نابعة من الاعتقاد غير الدقيق بأن هيكل شركة تيك توك يجعلها مَدينة بالفضل للحكومة الصينية، أو أنها تشارك معلومات حول المستخدمين الأميركيين مع الحكومة الصينية. هذا غير صحيح بشكل قاطع”.
وتقول الحكومة الصينية من جانبها إن الجانب الأميركي فشل حتى الآن في تقديم دليل على أن تيك توك يهدد الأمن القومي الأميركي.
وتقاتل تيك توك لتبرير وجودها في الولايات المتحدة من خلال اللجوء للكثير من شركات اللوبي للضغط على مؤسسات الحكومة الأميركية المختلفة. وأصبحت تيك توك ضمن أكبر شركات التكنولوجيا إنفاقا على أنشطة حملات الضغط والعلاقات العامة في واشنطن.
وأنفقت تيك توك العام الماضي أكثر من 5.3 ملايين دولار على جماعات الضغط لتحسين صورتها، والترويج لصورتها وفقا لمؤسسة “أوبن سيكرتس” (Open Secrets)، وهي منظمة غير ربحية تتعقب الإنفاق على جماعات الضغط.
ضمانات فنية وبيروقراطية
وتسعى تيك توك إلى معالجة مخاوف المشرعين الأميركيين من خلال تقديم ضمانات فنية وبيروقراطية طوعية، والتي تقول إنها ستساعد في ضمان إمكانية الوصول إلى بيانات المستخدمين الأميركيين فقط من لدن الموظفين الأميركيين.
ويشير شو إلى إعادة هيكلة الشركة بتكلفة تبلغ 1.5 مليار دولار تعرف باسم “مشروع تكساس”، والتي تشمل شركة أوراكل الأميركية العملاقة للبرمجيات، التي ستخزن وتشرف على الكمية الهائلة من البيانات الشخصية التي تجمعها تيك توك من المستخدمين الأميركيين لتوضع في خوادم شركة أوراكل.