جنين- طوال أكثر من 40 دقيقة ظل رمزي فياض مستلقيا على الأرض في محاولة لتفادي رصاص قناص إسرائيلي كان يصوّب بندقيته وناره باتجاهه كلما لاحظ حركته للاقتراب من منزله بحي الجابريات في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة الغربية.
حدث ذلك أمس الثلاثاء بينما كانت عشرات الآليات العسكرية الإسرائيلية تقتحم المخيم وترافقها قوة خاصة حاصرت منزلا تحصّن فيه عدد من المقاومين بينهم عبد الفتاح خروشة الذي اتهمته إسرائيل بتنفيذ عملية إطلاق نار في بلدة حوارة الأحد الماضي، وقُتل فيها مستوطنان.
وحين كان الشاب الثلاثيني فياض يحاول الاطمئنان على عائلته في حي الجابريات بالجهة الشمالية للمخيم فوجئ برصاص قناص إسرائيلي يطلق النار عليه بشكل مباشر، فنزل على الأرض وحاول الثبات من دون حركة.
يقول فياض للجزيرة نت “كنت أتصل بأهلي لأطمئن عليهم بعد اقتحام المخيم، وخلال ثوان وجدت نفسي محاصرا تحت زخات رصاص قناص إسرائيلي تمركز على بناية مقابلة لي مباشرة، فارتميت أرضا في شارع قريب ولمدة 40 دقيقة”.
ظل فيّاض تحت تهديد رصاص القناص حتى تمكنت سيارة إسعاف فلسطينية من الوصول إليه ونقله إلى منطقة أخرى. وقال إن القناص سمح لسيارة الإسعاف بنقله لأنه ظن أنه قتله بعد أن ثبت في مكانه بلا حركة. وأضاف “حين تأكد أني ميت وقام الإسعاف بنقلي، جاء جيب عسكري إسرائيلي ووقف بالمكان الذي كنت مرميا فيه. كانوا مصرين على قتلي وقتل كل من يتحرك في تلك المنطقة”.
وطوال الفترة التي بقي فيها رمزي فياض تحت تهديد رصاص القناص، كانت تصل إلى مسامعه أصوات الانفجارات القريبة وصراخ النساء والأطفال في المنازل المستهدفة ومحيطها.
تعمّد القتل
وخلال ساعتين ونصف من الاقتحام العسكري الإسرائيلي، كانت أعمدة الدخان تنتشر في سماء المخيم، والنيران تشتعل في أكثر من منزل بأنحائه، بينما روائح البارود تخنق أزقته والشوارع القريبة منه في مركز مدينة جنين.
ويصف أهالي المخيم اقتحام الثلاثاء بأنه من أعنف الهجمات الإسرائيلية، حيث حوصر عدد من الأهالي في منازلهم بسبب كثافة النيران والقصف بقذائف موجّهة نحو مواقع المقاومين المحاصرين.
يقول عصري فياض (40 عاما) صاحب أحد المنازل التي قصفت بقذيفة إنيرجا وهو موجود بداخله مع عائلته “في حدود الثانية والثلث من بعد ظهر أمس الثلاثاء كنت أهمّ بالخروج من المنزل حين سمعنا صوتا في محيطه، صاحت زوجتي: هناك قوات خاصة. أخذت أفراد العائلة المكونة من 9 أشخاص وطلبت منهم الجلوس في غرفة في الجهة الأخرى من المنزل حتى لا يصابوا بأذى”.
وخلال بقاء عائلة عصري فياض محتجزة في غرفة، كانت أصوات الرصاص تزداد بجانب المنزل ثم بدأ تسرب الغبار والغاز إليهم بعد استهداف المنزل، واستمر إطلاق النار باتجاهه بشكل مباشر.
قام الأب بنقل أطفاله وزوجته وزوجات أبنائه إلى حمام المنزل بقصد حمايتهم من الرصاص، يقول “صرنا 9 أشخاص محاصرين في حمام بمساحة مترين، وفجأة سمعنا صوت انفجار.. لقد ضربوا المنزل بقذيفة إنيرجا ونحن بداخله”.
وأطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي قذيفة إنيرجا على منزل عائلة فياض فقتلت الشاب إياد الزرعيني (21 عاما) الذي كان موجودا على باب المنزل.
ساحة حرب
وبجوار منزل فياض كانت قوات الاحتلال تحاصر منزل عائلة إياد أبو العزمي، وتطلق كميات من القذائف المحمولة على الكتف باتجاهه، وهو المنزل الذي تحصّن فيه الشهيد عبد الفتاح خروشة.
وبقصف منزل أبو العزمي واستشهاد خروشة بداخله، تكون إسرائيل قد هدمت منزل هذه العائلة للمرة الثانية بعد أن دمرته قبل سنوات حين تحصّن به الشهيد حمزة أبو الهيجا قبل اغتياله عام 2014.
تقول منال زوجة أبو العزمي -للجزيرة نت- إن القوات الخاصة حاصرت منزلهم وبدأت باستهدافه بقذائف عديدة، وبينما كان زوجها بداخله وصفت خروجه من المنزل بأعجوبة.
وتضيف “كنت في زيارة لابنتي خارج المنزل، أخبرونا أن قوات خاصة موجودة في الحارة التي نسكنها، حاولت الاتصال بابني مجد فلم أستطع، بعدها تحركت ابنتي على الفور باتجاه الحارة والناس منعوني من اللحاق بها لكثرة الجنود في المنطقة”.
وتصف الزوجة المشهد حينذاك قائلة “كانت لحظات صعبة جدا، شوارع المخيم ساحات حرب، والنيران والدخان في كل مكان، القصف والرصاص مسموع بكل الأنحاء، بينما قوات الاحتلال منتشرة بأعداد كبيرة جدا”.
وكانت قوات الاحتلال تحاصر منزل أبو العزمي وتطالبه بالخروج بسبب وجود عدد من الشبان المطاردين بداخله. وعند محاولة صاحب البيت مغادرته، أطلق جنود الاحتلال قذيفة صاروخية على مدخله فتراجع إلى الخلف واحتمى بجدار في الداخل، قبل أن يواصلوا إطلاق القذائف والنيران الثقيلة التي أصابت المطارد عبد الفتاح خروشة.
تقول زوجة أبو العزمي “عشنا لحظات رعب، كنت أرى المصابين في الشارع والقناصة في كل مكان ولم أستطع العودة إلى المنزل أو الوصول إلى ابني مجد وزوجي، وخشيت أن أفقدهم كما فقدت ابني أمجد قبل 3 أشهر شهيدا، ولا يزال جثمانه محتجزا عند الاحتلال”.
أخيرا تمكنت الزوجة من الوصول إلى حيّها، و”بدأت أرى صور المنزل بعد القصف فانهرت تماما، ثم أخبرني أقاربي أن زوجي بخير وأنه احتمى بالجدار ولم يصب بالقذيفة”.
6 شهداء وإصابات خطرة
بداخل منزل أبو العزمي، استشهد المطارد عبد الفتاح خروشة بالإضافة إلى شاب آخر. وفي شوارع المخيم استشهد 4 شبان آخرين لتكون حصيلة مجزرة الاحتلال الأخيرة في جنين الثلاثاء 6 شهداء، و11 إصابة من بينها إصابتان بجروح خطرة.
وشهدت أزقة المخيم ذاته مجزرة راح ضحيتها 10 شهداء وعشرات الإصابات في هجوم إسرائيلي بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي، وكان الأعنف منذ اجتياح المخيم عام 2002.
وعصر الثلاثاء كان المشهد في الأزقة الضيقة للمخيم يشبه أهوال يوم القيامة كما تخيله الأهالي، بينما استمر المقاومون في التصدي للاقتحام على مدار ساعتين ونصف. وأعلن جيش الاحتلال إصابة 3 من جنوده في العملية أحدهم ضابط.
استهداف طواقم الإسعاف
في حارة السمران بالمخيم، أطلق القناصة رصاصهم تجاه سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، مما أدى إلى إصابتها بـ3 رصاصات وتعطلها عن العمل.
وقال محمود السعدي مدير الهلال الأحمر في مدينة جنين “وردتنا أخبار بوجود إصابات في حارة السمران، فتوجهت سيارة إسعاف مع طاقمها إلى المنطقة، وعند وصولها إلى الحارة كانت حركتها صعبة جدا بسبب كثافة الرصاص”.
وتابع السعدي “حاول المسعفون التحرك ببطء لاستطلاع الوضع أولا، فأشار جيش الاحتلال إلى المسعفين بالرجوع وعدم التقدم، وفور محاولتهم الرجوع إلى الخلف بدأ إطلاق النار عليهم بشكل مباشر”، مضيفا “المسعفون نجوا بفضل الله، لكن سيارة الإسعاف تعطلت ولم تعد ضمن الخدمة حاليا”.