ترتبط ذاكرة العراقيين مع الشركات الأمنية الخاصة بذكريات سيئة تعود للسنوات التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003، حينما كانت مشاهد انتشار الشركات الأمنية وعجلاتها المسلحة تجوب شوارع المدن العراقية، حيث تعاظم دور هذه الشركات مع الاضطرابات الأمنية التي ضربت البلاد.
واكتسبت معظم الشركات الأمنية سمعة سيئة بين العراقيين بسبب تورط الكثير منها بحوادث دموية ذهب ضحيتها عشرات المدنيين، مثل شركتي “بلاك ووتر” و”هاليبرتون” الأميركيتين، فضلا عن تورط شركات أخرى بقضايا فساد ونهب للمال العام، ما دفع البرلمان العراقي لاقتراح تعديل قانون تنظيم عمل هذه الشركات وتعزيز الرقابة عليها.
تعديلات جديدة
وكان البرلمان العراقي قد شرع قانون رقم (52) في يناير/كانون الثاني 2017 لتنظيم عمل الشركات الأمنية الخاصة في العراق، والذي جاءت أحكامه لتشمل الشركات الأمنية المحلية وفروع الشركات الأمنية الأجنبية العاملة بالبلاد.
غير أنه وبسبب العديد من الملاحظات على عمل الشركات الأمنية، توجه البرلمان لتعديل هذا القانون، حيث نجح بإتمام القراءة الأولى لتعديل القانون في 19 فبراير/شباط الماضي على أمل إقراره قريبا.
ويعزو عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية مهدي تقي آمرلي سبب توجه البرلمان نحو تعديل قانون الشركات الأمنية الخاصة لوجود العديد من الشركات التي وصفها بـ”المخترقة” وتهدد أمن البلاد، معلقا بأن “بعض الجهات المشبوهة تجول وتصول وتغتال وتقتل تحت اسم الشركات الأمنية”.
ويشير آمرلي إلى أن التعديلات المرتقبة ستجعل القانون أكثر انضباطا في تنظيم عمل الشركات الأمنية والسيطرة عليها، من خلال تحديد عمل هذه الشركات ومهامها سواء المخصصة منها لحماية الشركات الاستثمارية أو البعثات الدبلوماسية والسفارات، مبينا أن التعديل سيلزم جميع الشركات الأمنية بكشف تعاملاتها وتحركاتها، مع إلزامها بوضع الإشارات والعلامات الدلالية التي تعرفها للأجهزة الأمنية وللشارع العراقي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يكشف عن وجود إجماع داخل مجلس النواب لإقرار هذه التعديلات القانونية، مبينا أنه سيتم التصويت عليها بعد إتمام القراءات اللازمة، وأن الأشهر القليلة المقبلة ستشهد إقرار 3 قوانين مهمة، تتعلق بالشركات الأمنية ومكافحة المخدرات وجرائم المعلوماتية، وفق آمرلي.
أما عن أعداد الشركات الأمنية المنتشرة على الأراضي العراقية، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية عدم امتلاك لجنته إحصائية دقيقة، مشيرا إلى أن هناك شركات عديدة في بغداد وأخرى في جنوب العراق وغربه، مبينا أن بعضها يحظى بالحصانة الدبلوماسية.
ورغم عدم وجود إحصائية رسمية بعدد هذه الشركات، غير أن عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق علي البياتي، كان قد كشف في فبراير/شباط 2021 أن عدد الشركات الأمنية العاملة بالعراق يصل لنحو 200، مبينا في حينها أن ما لا يقل عن 90% من موظفيها من العراقيين، وأن النسبة المتبقية من الأجانب الذين يعملون بصفة مدربين ومستشارين محترفين.
دور سلبي
وعرف العراق حضور الشركات الأمنية في السنوات التي سبقت الغزو عام 2003 لكن بنسبة ضئيلة جدا، حيث دخلت برفقة بعض الشركات الأجنبية في حينها، إلا أن أعدادها تضاعفت بعد الغزو الأميركي، وذلك وفق ما يؤكده الخبير الأمني فاضل أبو رغيف الذي يضيف أن العديد من الجهات التي دخلت العراق بعد الغزو أسست لنفسها شركات أمنية، ومن بينها السفارات والشركات العملاقة كشركات النفط والتعدين وغيرها.
ووفق أبو رغيف، فإن هذه الشركات تخضع لذات السياقات والشروط واللوائح والأنظمة، بدءا من ترقيم الأسلحة وأنواعها، فضلا عن عمليات الفحص والفرز ووضع قاعدة بيانات ومعلومات عن كل شخص ينخرط في عملها.
وفي حديثه للجزيرة نت، يلفت أبو رغيف إلى تراجع عدد الشركات الأمنية خلال السنوات الخمس الماضية بسبب شروط الترخيص المشددة التي وضعتها الحكومة العراقية بهدف منع استشراء السلاح وضمان عدم عسكرة المجتمع، وفق تعبيره.
بدوره، يقول أستاذ إدارة الصراع والعلاقات الدولية خضر عباس عطوان “إن التعديلات المطروحة على القانون رقم 52 لعام 2017 الخاص بالشركات الأمنية يشمل فقرات قليلة جدا تتعلق بالحاجة لتعليق أو إلغاء الإجازات الممنوحة لعمل بعض الشركات”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف أن الأحداث الدموية التي تورطت بها الشركات الأمنية كانت قبل الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011، ومن أبرزها تلك التي حدثت في ساحة النسور ببغداد عام 2007 والتي جرى محاكمة المتورطين بها وسجنهم، قبل أن يطلق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سراحهم عام 2017.
كما يُذكِّر عطوان بتورط الشركات الأمنية -المسؤولة عن إجراء التحقيقات في سجن أبو غريب- بأحداث مأساوية بقيت طي الكتمان حتى هذه اللحظة لعدم وجود شكوى قانونية بهذا الصدد، لافتا إلى أن القرار الصادر عام 2004 عن الحاكم المدني للعراق بول بريمر المتعلق بعمل الشركات الأمنية منح الشركات الأمنية صلاحيات واسعة وحصانات قانونية كبيرة، من ضمنها وأخطرها السماح لهذه الشركات باستخدام القوة المفرطة، وفق عطوان.
أهمية التطبيق
من جانبه، يرى الخبير القانوني علي التميمي -في حديثه للجزيرة نت- أن الجرائم التي ارتكبتها الشركات الأمنية الأجنبية بعيد الغزو تندرج ضمن الجرائم الدولية، كونها لم تقم على أساس قانوني وشرعي، مبينا أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم سواء ارتكبتها الشركات الأمنية أو القوات البريطانية والأميركية، وأن من حق العراق مقاضاتها.
أما الباحث في الشأن السياسي والأمني رعد هاشم فلا يخفي مخاوفه من قيام بعض الأحزاب -التي تمتلك فصائل مسلحة- بتوظيف وتسخير القوانين والتعليمات المتعلقة بالشأن الأمني والاستخباري بما يخدم مصلحتها ويستجيب لخدمتها ويعود عليها بالمنفعة، وفق تعبيره.
وفي حديث للجزيرة نت، يتابع هاشم أن قانون الشركات الأمنية وغيره يبقى رهنا لآلية التطبيق ومستوى الجدية في تفعيل فقراته لمنع أي تجاوز أو محاباة في التعامل بين هذه الشركات بما يتضمنه ذلك من تسهيلات تتعلق بأمن البلاد، مبينا ضرورة ربط البيانات والموافقات المتعلقة بهذه الشركات بوزارة الداخلية وجهاز المخابرات، مع تحديد مراكز أمنية فرعية مهنية للإشراف عليها.