لندن ـ أزيح الستار عن أكبر صفقة غواصات نووية في التاريخ، أطرافها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في إطار الاتفاقية الدفاعية والأمنية المعروفة باسم “أوكوس” (AUKUS)، وبموجب هذا ستمتلك أستراليا لأول مرة في تاريخها غواصات نووية.
وبحضور الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز في الولايات المتحدة، تم الكشف عن مراحل هذه الصفقة التي سوف تمتد حتى عام 2050 وسيكون المستهدف الأول منها الصين، ذلك لأن هذه الغواصات ستكون مهمتها إلى جانب الغواصات الأميركية والبريطانية مراقبة المحيط الهادي والحد من محاولات الصين لمدّ نفوذها في تلك المنطقة.
وعلى مدى العقود الثلاثة المقبلة سوف تنتقل هذه الصفقة من نقل غواصات نووية أميركية إلى الموانئ الأسترالية إلى اقتنائها لغواصات نووية أميركية، ثم مرحلة الحصول على غواصات نووية ستصنّع في المملكة المتحدة، وأخيرا حصول أستراليا على غواصاتها النووية التي سيكون تصنيعها في بلادها.
ما تفاصيل هذه الصفقة؟
تقوم الصفقة على حصول أستراليا على 8 غواصات نووية تدخل الخدمة في سنة 2040، على أن تكون أستراليا قادرة على تصنيع غواصاتها النووية بحلول سنة 2050. وحسب توقعات الحكومة الأسترالية، فإن قيمة هذه الصفقة سوف تراوح بين 268 إلى 368 مليار دولار حتى سنة 2055.
وفي المرحلة الأولى من هذه الصفقة سوف ترسل البحرية الأميركية إلى جانب البحرية الملكية البريطانية ابتداء من سنة 2027 عددا من الغواصات النووية إلى ميناء مدينة “بيرث” التي تعد أكثر المدن الأسترالية اكتظاظا بالسكان.
ووافقت الولايات المتحدة على بيع 3 إلى 5 غواصات نووية إلى أستراليا من طراز “فرجينيا” التي تعدّ أحدث الغواصات في الأسطول النووي الأميركي، وستبلغ قيمة هذه الصفقة بين 50 إلى 58 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل هذه الغواصات إلى الموانئ الأسترالية بحلول سنة 2030 حيث لم يُعلن حتى الآن إذا كانت هذه الغواصات ستُصنع أم إن الولايات المتحدة سوف ترسلها من الأسطول المتوفر لديها حاليا.
أما عن الغواصات النووية التي ستصنع في أستراليا فسوف تكون على طراز الغواصات النووية “أستوت” (Astute) وهي الجيل الأخير من الغواصات النووية البريطانية، سيصنع في مدينة أديلايد وهي عاصمة المنطقة الجنوبية لأستراليا، وستنطلق عملية التصنيع في سنة 2040 على أن تدخل أولى الغواصات الخدمة بحلول سنة 2050.
هل من عقبات أمام الاتفاق؟
ما زالت العقبة الأكبر أمام هذه الصفقة هي كيفية نقل التكنولوجيا النووية الأميركية إلى هذه الغواصات ومنها إلى البحرية الأسترالية، ذلك لأن الولايات المتحدة تفرض قيودا صارمة على تصدير أسرارها العسكرية.
إلا أن الاتفاق ينص على أن مرحلة تمرير هذه التكنولوجيا سوف تبدأ سنة 2030 وحينئذ سيكون على الكونغرس الأميركي التصويت لمصلحة منح أستراليا التكنولوجيا النووية الخاصة بهذه الغواصات، على غرار الامتياز الذي حصلت عليه كندا للحصول على تكنولوجيا عسكرية من أميركا.
ما الغواصات التي ستحصل عليها أستراليا؟
يشير الاتفاق إلى أن الغواصات الثماني التي ستصنع لمصلحة أستراليا بحلول سنة 2040 ستكون من طراز غواصات “أستوت” البريطانية المعززة بالتقنية النووية الأميركية، وهذه الغواصات التي يطلق عليها “الداهية” هي أكبر وأقوى غواصات هجومية في البحرية الملكية على الإطلاق، وتجمع بين أجهزة الاستشعار العالية الحساسية والأسلحة الرائدة عالميا.
وفي عام 2012 أثبتت قدرتها على إطلاق صواريخ “توماهوك”، إضافة إلى النجاح في إطلاق صواريخ باليستية من خليج المكسيك وضرب الأهداف بنجاح في شمال فلوريدا.
وكان من المقرر بناء 7 غواصات من هذه الفئة التي تعد الأحدث والأكثر تطورًا، بينما تبلغ تكلفة أول 3 غواصات نحو 1.8 مليار دولار لكل واحدة، والأربع الأخرى 1.2 مليار دولار لكل واحدة أيضًا، في إطار برنامج أطلقته البحرية الملكية لتطوير الغواصات النووية بقيمة 40 مليار دولار.
أما غواصات “فرجينيا” الأميركية التي ستحصل أستراليا على 4 أو 5 قطع منها بحلول سنة 2030 فهي الأحدث في الأسطول الأميركي، وكان تصنيعها في سنة 2000 ودخلت الخدمة سنة 2004، وتبلغ قيمة القطعة الواحدة منها نحو 3 مليارات دولار وذلك يجعلها أغلى الغواصات النووية في العالم.
ما مواصفات وقدرات هذه الغواصات؟
تتميز هذه الغواصات بقدرتها على القيام بمجموعة كبيرة من المهام في المحيطات الكبرى وقرب السواحل، وخصوصا قدرتها العالية على جمع المعلومات والتجسس قرب حدود الدول المعادية، إضافة إلى قدرتها على خوض الحروب المضادة للغواصات.
وتعد هذه الغواصات أول من يستخدم تقنية الاستشعار الضوئي عوض المنظار التقليدي، وذلك لكونها مجهزة بكاميرات عالية الدقة، إلى جانب أجهزة الاستشعار لتكثيف الضوء والأشعة تحت الحمراء، مع تزويدها بسلاح ليزر عالي الطاقة بقدرة تبلغ 500 كيلووات.
وسوف تستمر الولايات المتحدة في إنتاج هذه الغواصات إلى سنة 2043، ومن المتوقع أن تبقى هذه الغواصات في الخدمة إلى سنة 2070.
وتقول أستراليا إن هذه الصفقة سوف تسهم في خلق 20 ألف فرصة عمل بطريقة مباشرة سواء من خلال توظيف جنود أكثر في البحرية الأسترالية وكذلك في مجال التصنيع العسكري، على أن يحصل عدد من جنود البحرية الأسترالية على تدريبات مكثفة ومستمرة على يد البحرية الأميركية والبريطانية.