إسطنبول- مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في تركيا، تشتدّ حدة التنافس بين التحالفات السياسية، لا سيما بين تحالف “الجمهور” الحاكم وتحالف “الأمة” المعارض أو ما يُعرف بالطاولة السداسية التي تضم 6 أحزاب.
وتصاعد الحراك السياسي في البلاد بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسميا تقريب موعد الانتخابات إلى 14 مايو/أيار المقبل، مقابل توافق تحالف المعارضة الرئيسي على ترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو للانتخابات الرئاسية.
وبدأت القوى السياسية التركية بعد حسم موعد الانتخابات والمرشح الرئاسي المشترك للمعارضة بالتفرغ لحشد الصفوف، بينما فتح التحالف الحكومي الباب أمام بعض الأحزاب الصغيرة للانضمام وتشكيل جبهة أقوى في الانتخابات.
تحالف “الجمهور”
وقال أردوغان في اجتماع لحزبه السبت الماضي “سنكتب قصة نجاح جديدة ضمن تحالف الجمهور في 14 مايو/أيار المقبل مع أصدقائنا في التحالف ومع من سينضم إلينا حديثا”، في إشارة إلى جهود حزبه لضم عدد من الأحزاب.
وبدأ حزب العدالة والتنمية الحاكم الأسبوع الماضي مفاوضات مع عدد من الأحزاب الصغيرة تضمنت عروضا لهم بالانضمام إلى تحالف الجمهور وخوض الانتخابات القادمة معًا، وأبرزها حزب “الرفاه من جديد” بزعامة فاتح أربكان، نجل نجم الدين أربكان مؤسس تيار الإسلام السياسي في البلاد.
ومن الأحزاب التي أكدت انضمامها إلى تحالف “الجمهور” حزب الدعوة الحرة أو ما يعرف بالتركية بـ”هدى بار”، وهو حزب كردي ذو ميول إسلامية وقومية، ويُنظر إليه في الشارع التركي باعتباره نقيض حزب العمال الكردستاني المصنّف على لوائح الإرهاب.
وتضم قائمة الأحزاب المرشحة للانضمام إلى التحالف الحاكم: حزب “الوطن الأم”، وحزب “اليسار الديمقراطي”، وحزب “الطريق القويم”.
التمثيل السياسي
ويأتي اهتمام حزب العدالة والتنمية بضمّ عدد من الأحزاب الصغيرة إلى التحالف الحكومي رغم أن أيا منها لم يسجل حضورًا ملموسًا في نوايا التصويت، حسب استطلاعات الرأي التي تعلنها شركات الأبحاث بين حين وآخر.
ولا يتعلق الأمر بعدد الأصوات التي سيحصلون عليها، بل بالأفكار السياسية التي يحملونها والشرائح الاجتماعية التي يمثلونها، كما يقول مدير التحرير في جريدة “ديلي صباح” التركية الناطقة بالإنجليزية باتوهان تاكيش، وهي صحيفة مقربة من الحكومة.
وفي حديثه للجزيرة نت، ضرب الصحفي التركي حزب “الدعوة الحرة” مثالًا، فهو يمثل الناخبين الأكراد المحافظين والمتدينين في البلاد، وعادةً ما تكون نسبة التصويت لهذا الحزب منخفضة، لكن لها أهمية إستراتيجية من حيث الشريحة التي يمثّلونها، مرجحًا أن يدعم بعض الناخبين من أنصار هذا الحزب تحالف الجمهور عندما ينضوي حزبه تحته.
تمثيل كل الشرائح
من جهته، يرى الباحث والمحلل السياسي المتخصص بالشأن التركي سعيد الحاج أن اهتمام أردوغان وحزبه بضم الأحزاب الصغيرة قبيل انتخابات 14 مايو/أيار القادم، بخلاف الانتخابات السابقة، يعود لسببين أساسيين:
الأول: أن المعارضة، وتحديدًا الطاولة السداسية، قدّمت سردية مفادها أنها تشكل التنوع السياسي والفكري والأيديولوجي في البلد، وأن حزب العدالة والتنمية منبوذ ولا يتحالف معه إلا حزب الحركة القومية. وأضاف الحاج أنه لذلك من المفيد لحزب العدالة والتنمية أن يقدم نفسه على أنه يعبّر عن تحالف واسع وشرائح مختلفة من الشعب التركي.
وحسب الباحث في الشأن التركي، فإن السبب الثاني، وهو الأهم، يتمثل في الاستقطاب الحاد والتنافس الشديد في الانتخابات الرئاسية القادمة، ومن ثم فإن الصوت الواحد قد يشكل فارقًا، ولذلك هناك حرص على أكبر عدد ممكن من الأحزاب ومناصريها لدعم الرئيس أردوغان.
مطالب “الرفاه من جديد”
ورغم تعدد الأحزاب التي تلقت عروضًا من تحالف الجمهور للانضمام إليه، فإن حزب “الرفاه من جديد” يحظى باهتمام خاص من الحزب الحاكم، بالنظر إلى رمزية زعيمه فاتح أربكان الذي يقدم نفسه وريثا لفكر “الرؤية الوطنية” الذي أسسه أربكان الأب وتنتسب إليه كل الأحزاب المحافظة بما في ذلك حزب العدالة والتنمية.
وكان نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدرم، قد أجرى زيارة على رأس وفد من حزبه إلى مقر حزب الرفاه لتقديم عرض له للانضمام إلى التحالف الحاكم تمهيدًا لخوض الانتخابات بشكل مشترك.
ورغم ترحيب أربكان بالدعوة التي تلقاها من أردوغان على لسان يلدرم، فإنه أكد أن قرار الانضمام ستتخذه الجهات المعنية في حزبه خلال الأيام القادمة.
وكشفت صحيفة “يني شفق” التركية المقربة من حزب العدالة والتنمية أن أربكان قدم لائحة مؤلفة من 30 بندًا تمثل شروطا لقبول حزبه دعوة الانضمام إلى تحالف الجمهور.
وحسب الصحيفة، فإن أبرز المطالب نصّت على تمسك الحزب بخوض الانتخابات بمرشحيه وشعاره الخاص، وإلغاء أو تعديل بعض القوانين المتعلقة بالأسرة والمجتمع، بما يفضي إلى منع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وتمرير الانسحاب من اتفاقية إسطنبول لحقوق المرأة عبر مجلس النواب.
وقالت “يني شفق” إنه تم التوصل بين الطرفين إلى حل وسط وتأمين موافقة حزب “الرفاه من جديد” الذي لم يعلن ذلك رسميا بعد.
لو كان نجم الدين أربكان حياً، هل كان سيتحالف مع حزب الشعب الجمهوري ؟
محمد فاتح أربكان يجيب. pic.twitter.com/nd6i7PJ62H
— آكار هاكان (@akarh99) March 15, 2023
لماذا “الرفاه من جديد”؟
يرى الصحفي باتوهان تاكيش أن سبب اهتمام حزب العدالة والتنمية بضم حزب “الرفاه من جديد” إلى التحالف الحاكم وجود العديد من أوجه التشابه بين الحزبين من حيث وجهات النظر السياسية، وتشاركهما بالقاعدة التصويتية، إذ ينتمي أنصار كل من الحزبين إلى تيار الرؤية الوطنية.
وأضاف تاكيش أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى “استعادة أصوات الناخبين المحافظين والمتدينين الذين بدأ يخسر أصواتهم أخيرًا لمصلحة “الرفاه من جديد”.
من جهته، لفت سعيد الحاج إلى أن حزب “الرفاه من جديد” منافس لحزب السعادة الذي يجلس على طاولة المعارضة، سواء فيما يتعلق بتمثيل الرؤية الوطنية أو أصوات المحافظين.
وخلص الباحث في الشأن التركي إلى أن حزب العدالة والتنمية ذاهب أكثر نحو الأحزاب الإسلامية والمحافظة بسبب التقارب الأيديولوجي والفكري والسياسي، وهذا أدعى لاعتراضات أقل، بخلاف الطاولة السداسية التي تتنوع مشارب أحزابها.
ويريد أردوغان أن يكون تحالفه “متجانسًا نوعا ما”، كما يقول الحاج الذي رأى أن في ذلك رسالة للمجتمع مفادها أن “التحالف أيديولوجي وليس مصلحيًّا آنيًّا”.