أبرز 10 فتوحات ومعارك إسلامية وقعت في رمضان | أخبار

لم يكن الصوم قبل قرون سياحة تحت أسقف الغرف المكيفة، بل كان -وربما لا يزال في مناطق كثيرة- مكابدة تحت سياط العطش والجوع، ولهيب الحر الحارق، في مثل هذه الظروف يتوقع أن تميل النفوس إلى ما أمكن من دعة، وتتطلب ما تيسر من ظل ورقراق نمير.

بيد أن التاريخ الإسلامي يقلب صفحات أخرى من رمضانيات الفاتحين، نزالا على أبواب الحصون والمدن وعبورا لأنهار الموت واللهب، ليودعوا في حقائب الخالدين قصة فتوح رمضان الذي قادها العطشى المرهقون إلا من وهج الإيمان وبراق العزيمة.

ومن أشهر المعارك والفتوح التي وقعت في رمضان عبر السنين:

غزوة بدر الكبرى.. يوم الفرقان

تلاقت سيوف الجيش النبوي والجيش القرشي صبيحة 17 رمضان من السنة الثانية الهجرية، لم يكن بينهما أي تكافؤ، فالجيش الغازي يقترب من ألف مقاتل، وكان الجيش النبوي في حدود 314 مقاتلا، وكان عدتهم مما سوى الإيمان متواضعة، أفراس محدودة، وسيوف معدودة، وعزائم لا سقف لرفعتها.

انتهت بدر سريعا بحصد رؤوس الزعامة في قريش، فقد قتل 70 من صناديدها وأحكمت قيود الأسر على 70 آخرين، وكان من نتائج هذه المعركة الفاصلة أن أزاحت سيوف المسلمين جيلا من العتاة من واجهة القيادة القرشية، ومهدت لجيل آخر، ظل الإسلام يخترقه ويهزه رغم العداء والصراع إلى أن هوت آخر مقاومة له عند فتح مكة بعد 6 سنوات من غزوة بدر.

وفي سجلات الشهادة والنبل ارتقى يوم بدر من المسلمين 14 شهيدا، سقوا الأرض بدمائهم الطاهرة، وغاية جود المرء أن يسقي الثرى دمه عند اللقاء ويلقى الله ظمآنا.

فتح مكة.. يوم أذن بلال على الكعبة

في السنة الثامنة من الهجرة، وفي 20 رمضان، تدفق الجيش النبوي الضخم إلى مكة المكرمة، نزل إليها من أعلاها ومن بطحائها، فانقذف الرعب في نفوس القرشيين بعد أن نقل إليهم سيدهم أبو سفيان رسالة تحذير عالية الدقة والوضوح: “من دخل المسجد الحرام فهو آمن، ومن أغلق عليه بيته فهو آمن..”، وتكريما للزعامة المنتهية كان أيضا: “من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن”.

دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يحدوه التكبير وتظله الهيبة والوقار، مطأطئ الرأس تواضعا لله الذي مكنه من فتح مكة بعد أن خرج منها وأصحابه خائفين يترقبون سطوة أبي جهل أو بطش عتبة بن ربيعة، ثم أسلمت مكة قلبها وزمامها للإسلام وصعد بلال بن أبي رباح سقف الكعبة، وصدح بالأذان والتوحيد بعد أن كان قبل 8 سنوات جسدا عاريا تضغطه صخرة من غضب سيده أمية بن خلف.

وكان يوم فتح مكة، أحد أبرز أيام الإسلام، فقد فتحت المدينة المقدسة بالرعب وقوة الإيمان لا بكثرة السلاح وكثافة النيران، لأن صوت الأذان كان أقوى من رهج الخيل، وكانت قوة الحق وعدالة الفاتحين أقوى من ركام سنوات الظلم.

عاد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، قبل أن يعود لاحقا إلى مكة المكرمة في السنة العاشرة من الهجرة النبوية في حجة الوداع، التي ألقى فيها خطبة الوداع، وهي إعلان حضاري ينير دروب المسلمين إلى آخر الزمن، وكانت أيضا وصية مودع، لم يعش بها غير فترة وجيزة، واستشهد المسلمين على أداء الأمانة، ألا هل بلغت، فصدحت الحناجر التي قيل يومها إنها تجاوزت 100 ألف من المسلمين.. اللهم نعم.

صورة تعبيرية لغزوة بدر
(الجزيرة)

فتح البويب وسيوف المثنى

كانت سمعة المثنى بن حارثة رضي الله عنه جوابة آفاق، فقد عرف عنه الفرس سطوته وشدته في الحرب، وبلغهم كثرة جيشه الذي تشكل من أضاميم من الصحابة ومختلف القبائل العربية، والتقى جيشا المسلمين والفرس عند موقع يعرف بالبويب قرب مدينة الكوفة الحالية في العراق، كان الفرات يفصل بين الخصمين، فعبر الجنود الفرس النهر بطلب من المثنى بن الحارثة بعد أن خيره مهران بن باذان قائد جيش الفرس.

وتذهب روايات التاريخ الإسلامي إلى أن أول أيام هذه المعركة كان في 13 رمضان من السنة 13 هجرية، وفيه اعتلى المثنى سرج فرسه الشموس، وكان لا يركبه إلا للحرب، وبعد جلاد طويل حمل المثنى على قيادة الجيش الفارسي حتى قُتل قائده مهران، فانكسرت دفاعات الفرس وولوا هاربين بعد أن استحر فيهم القتل، ثم سبقهم المثنى إلى الجسر ليمنعهم من العبور، فوقعت فيهم مقتلة عظيمة، حتى قيل إن الذين هلكوا من الفرس قتلا وغرقا تجاوزوا 100 ألف قتيل، أما المسلمون فقد قدموا 4 آلاف شهيد بينهم عدد كبير من سراة وقادة الفتح والجهاد، ولم تمنع نشوة الظفر المثنى أن يعترف أمام جنده بخطأ إستيراتيجي وهو الالتفاف وراء الفرس، معرضا بذلك جنده للهلاك لو صمد لهم الفرس.

فتح السند.. باب الإسلام الكبير في شرق آسيا

لم يكن فتح بلاد السند حدثا عابرا بل كان بوابة حضارة تلقفتها شعوب شرقي آسيا، فدخلت في دين الله أفواجا، وفي السنوات التي سبقت فتحها بدأت تتحول إلى خطر أمني كبير على المسلمين، حيث أصبح قراصنتها ينقضون من حين لآخر على التجار المسلمين وخصوصا في المحيط الهندي وبحر العرب، فينهبون ما استطاعوا الوصول إليه، بيد أن أسرهم لعدد من النساء المسلمات واستغاثتهن بخليفة المسلمين وواليه على العراق، وهو ما دفعه إلى البحث عن حل جذري لهذا الإشكال الخطير.

وبطبيعة الحال لم تكن منطقة السند هدفا سهل المنال، فخلال تلك الفترة انكسرت حملتان أرسلهما أمير العراق الحجاج بن يوسف إليها وقتل قائداهما، ثم ثلث بإرسال ابن أخيه محمد بن القاسم، كان يومها شابا في الـ17 من عمره مرهف الحس متوقد الحماس شجاعا بالغ العزيمة، فحاصر بلاد السند 3 سنوات.

كانت الديبل أو كراتشي الحالية حصينة قوية، لكن ابن القاسم الذي حاصرها سادس شهر رمضان سنة 92 للهجرة، استطاع اختراق ثغراتها بجيش من 12 ألف مقاتل، قبل أن يمتد سيف الفتح إلى مدينة نيرون المعروفة حاليا بحيدر آباد، ثم واصل القائد الشاب يفتح المدن صلحا وعنوة، سلما وحربا، حتى أخضع السند لحكم الخلافة الإسلامية في نحو 3 سنوات فقط.

ومنذ ذلك الفتح باتت تلك البلاد جزءا أساسيا من حضارة المسلمين، ونشأت في محاريبها ومدارسها قصة إسلام عميق وتاريخ جهاد علمي وحضاري ما زال مستمرا إلى اليوم.

فتح الأندلس.. “الفردوس” المفقود

كانت سنة 92 للهجرة منعطفا جديدا في تاريخ الإسلام، فقد تمدد نحو أوروبا الحالية وأرسى سفن الفتح على ضفاف الأندلس، وأطلق رحلة من الجلال والجمال طيلة 8 قرون، صنعت حضارة الفردوس المفقود.

كان الفتح بقيادة طارق بن زياد مع 12 ألف فاتح من جنوده، أغلبهم من السكان البربر المحليين، فكسروا عنفوان الجيش القوطي الذي فقد ملكه وقرابة 40 ألفا من مقاتليه، وانطلق الفتح الإسلامي في الأندلس وتعالت المنائر والأذانات واستقرت الحضارة الإسلامية في ذلك المنكب الإسلامي الرفيع.

عمورية.. قصة فتح أطلقته صرخة استغاثة

لم يكن لفتح عمورية سبب مباشر غير تلك الصرخة التي دوت في آفاق التاريخ، عندما اعتدى رومي على امرأة مسلمة في سوق عمورية، فصرخت “وامعتصماه”، سخر الرومي من تلك الصرخة، مستهزئا، غير أن عينا من عيون المعتصم نقل الحادثة بتفاصيلها إلى الخليفة في بغداد، فجهز جيشه وصف جنوده،  فبدأت الحرب النفسية، وتطوع المنجمون بالتثبيط، الذي لم يثن المعتصم عن السير قدما حتى دك أسوار عمورية، في رمضان سنة 223 هجرية، حيث استباح حصونها، وأتى بالعلج حتى أوقفه في ذلة أمام المرأة المستغيثة، فكان بذلك أول فتح وأقوى جيش تحركه دموع امرأة.

الزلاقة.. جيش المرابطين الذي حطم سطوة الإسبان

في الخاصرة الجنوبية من إسبانيا الحالية، وقعت أعظم معارك الأندلس، وإحدى أهم المعارك في التاريخ الإسلامي، وهي معركة الزلاقة المشهورة التي وقعت في شهر رمضان سنة 479 هجرية، سار الجيش البدوي تحدو رجاله جماله، بعد أن استنجد الأمير المعتمد بن عباد بأمير المرابطين يوسف بن تاشفين لإنقاذه من تهديد جيش مملكة قشتالة بقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة وليون.

وبعد أن اصطف الطرفان للمواجهة في سهل الزلاقة وجرت بحار الدم بين الطرفين انهزم الإسبان شر هزيمة، وكسرت شوكتهم ومد الله في إسلامية الأندلس 3 قرون أخرى بعد أن كانت في مضرب سيوف الإسبان مستفيدين من خيانات ملوك الطوائف.

حطين.. قصة الفتح المقدسي

في رمضان سنة 583 هـ قاد صلاح الدين الأيوبي معركة حطين لكسر شوكة الصليبيين المتحكمين يومها في الشاطئ والشريط الشامي، كان عمر الغزو الصليبي في تلك الأرض أكثر من 90 سنة، وكانت ممالكهم قد غرست أقدامها في الأرض الشامية إلى أقصى درجة، خرج صلاح الدين الأيوبي بجيشه لينهي مسارا طويلا من التصدي للغزاة الصليبيين وانتهى يوم السجال الدامي بانتصار باهر لم يعرف له مثيل، حيث شرق سهل حصين بشلال الدماء وتفرق الصليبيون مهزومين بعد أن أعمل فيهم جنود صلاح الدين صوارم السيوف، وكانت حطين البوابة الأوسع لتحرير المسجد الأقصى وإنهاء مأساته التي استمرت 90 سنة.

عين جالوت.. أول هزيمة لجيش التتار الذي لا يقهر

كانت جرائم التتار وبطشهم بالحواضر والقرى أكبر رسل الهزيمة النفسية إلى نفوس المسلمين بل والعالم من حولهم، فقد سقوا الشق الإسلامي من آسيا يومها فواجع البطش تدميرا للمدن وحرقا للأرض وإبادة وحشية للإنسان، ثم جاءت فاجعة بغداد حيث قيل إن القتلى يومها تجاوزوا مليون إنسان، ثم سقطت الخلافة العباسية، وقتل الخليفة المستعصم بالله بيد هولاكو، وتحت رماح وسيوف التتار.

ثم استمر الزحف الدامي يخضع مدن الشام وفلسطين الواحدة تلو الأخرى، إلى أن تولاه الحظ العاثر في قرية عين جالوت قرب مدينة نابلس الحالية يوم 26 رمضان سنة 658 هـ، حيث تواجه الجيشان وبدأت الحرب الملتهبة.

ولما رأى قائد الجيش الإسلامي المظفر قطز بوادر هزيمة جيشه ألقى خوذته على الأرض تعبيرا عن شوقه إلى الشهادة، وتلقى الموت حاسرا وهو يصرخ وا إسلاماه، وا إسلاماه.

وتزيد بعض الروايات فتقول إنه نزل عن فرسه ومرغ وجهه في الأرض وصلى ركعتين، ثم انطلقت صوارم جيشه تدك جيوش التتار التي تراكمت ساقطة تحت سنابك المسلمين، وانتهت المعركة بنصر مؤزر، غير أن القائد قطز لم يعمر بعد ذلك طويلا، فقد قتله خصمه اللدود الظاهر بيبرس بعد أيام قليلة من وقعة عين جالوت.

أدت معركة عين جالوت إلى تغيير هائل في ميزان القوى، ومثلت أول نصر مؤزر للمسلمين أمام جحافل التتار، فكانت بذلك نقطة فاصلة في التاريخ الإسلامي، وفتحت الباب واسعا أمام حكم المماليك لأجزاء واسعة من الجغرافيا الإسلامية لقرابة 3 قرون من الزمن.

عبور بارليف الرمضاني.. نصر بين ركام الهزائم العربية

كان تدمير الجيش المصري خط بارليف في حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973 انعطافة عنيفة في علاقة العرب بالاحتلال الإسرائيلي، التي بدأت منذ تهجير سنة 1936، ثم تعمقت جروحا دامية في نكبة عام 1948 قبل أن تزيد الكرة المؤلمة من جديد مع نكسة عام 1967، وخلال هذه الفترة ترسخت عقيدة “الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر” في نفوس القادة والشعوب، قبل أن تتحرك كتائب من الجيش المصري في رمضان سنة 1973 نحو خط بارليف الحصين، حيث دمروه تدميرا وعبروا إلى عمق الأرض المحتلة، حيث هزموا جيش الاحتلال، وأعادوا تحرير جزء من الأرض المصرية.

وقد دوى التكبير عندما استطاع أبطال الجيش المصري يومها في العاشر من رمضان اجتياز خط بارليف والانتقال إلى مواجهة دامية، في واحد من أشرس المواقع العسكرية التي أقامها المحتل الإسرائيلي في منطقة ميناء سيناء.

كان بارليف بالنسبة لإسرائيل يومها جدارا عازلا لا يمكن التفكير في اختراقه، وكانت أيضا قد ضربت على الأفئدة العربية بأسوار كثيرة من الهزيمة والدونية، وذلك بعد أن استطاعت تسديد ضربات مؤلمة متتالية منذ نكبة 1948.

كان العبور نصرا جزئيا رفع فيه الجنود شعار “الله أكبر”، وكان العاشر من رمضان يومها أحد أيام التاريخ الذي تفاعلت معه الجماهير بالهتافات والزغاريد في كل العواصم العربية.

ولم يكن الجيش المصري وحده في هذه المعركة فقد كان مسندا بالجيش السوري، وقد خاض الطرفان المعركة بالتزامن وفي دائرتين مختلفتين.

لم تطل نشوة النصر بالعاشر من رمضان، فسرعان ما وقعت الحكومة المصرية على معاهدة كامب ديفيد الذي زرعت كثيرا من أحلام السلام بين العرب والاحتلال الإسرائيلي الذي لم يدخر جهدا في سقي تلك الأحلام دما ولهبا وركام مدن مدمرة وقصص موت ورعب مستمر.. حتى في شهر رمضان.