مراسلو الجزيرة نت
طهران – على الرغم من الانسداد السياسي المتواصل منذ 7 أشهر في المفاوضات الرامية إلى إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، فإن فكرة الاتفاق المؤقت لا تزال تراود الأوساط الدولية والإقليمية لإعادة فرض قيود على برنامج طهران النووي مقابل رفع العقوبات الأميركية.
في غضون ذلك، ذكر موقع “أكسيوس” (Axios) الأميركي، الاثنين الماضي، أن الإدارة الأميركية ناقشت خلال الأسابيع الأخيرة مع شركائها الأوروبيين والإسرائيليين اقتراحا لاتفاق مؤقت مع طهران، يتضمن تخفيف العقوبات مقابل تجميد إيران أجزاء من برنامجها النووي.
وأشار الموقع إلى أن إيران رفضت المقترح الأميركي في الوقت الراهن، وأن الرئيس الأميركي جو بايدن ملتزم بعدم حيازة طهران السلاح النووي، ويرى الدبلوماسية أفضل وسيلة لتحقيق ذلك.
رسميا، لم تعلّق إيران حتى الآن على الموضوع، إلا أن المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني كان قد أكد الشهر الماضي أنه لا وجود لفكرة الاتفاق المؤقت في قاموس طهران، وأن بلاده تريد إحياء كاملا للاتفاق النووي المبرم عام 2015.
التنافس الأميركي الصيني
من ناحيته، يقرأ السفير الإيراني الأسبق في الأردن ولبنان أحمد دستمالجيان موضوع الاتفاق المؤقت في سياق التنافس الأميركي الصيني على الشرق الأوسط، مؤكدا أن طرح الاتفاق المؤقت بعد التأكيد الأميركي المتكرر أن الاتفاق النووي لم يعد ضمن أولويات واشنطن جاء ردا على التقارب بين إيران والسعودية برعاية صينية.
ويشير دستمالجيان إلى الارتفاع الأخير في أسعار النفط إثر إعلان أعضاء في تحالف “أوبك بلس” خفضا طوعيا في الإنتاج، موضحا -للجزيرة نت- أن الولايات المتحدة ترى نفسها خارج الاتفاقات الإقليمية، وأن دول المنطقة في طريقها لتشكيل تكتل اقتصادي مع الصين، مما يدفع واشنطن نحو تفعيل المفاوضات النووية مع طهران.
وأضاف أنه مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة تسعى إدارة الرئيس بايدن لتسجيل نقطة في الملف النووي الإيراني، مؤكدا أن تركيز تقرير موقع أكسيوس على رفض طهران المقترح الأميركي يأتي في سياق “شيطنة إيران وإلقاء اللوم عليها بخصوص فشل المفاوضات النووية”.
أسباب الرفض
وأثار الحديث عن نوايا غربية للتوصل إلى اتفاق مؤقت يفضي إلى حلحلة جانب من القضايا الشائكة بين إيران والولايات المتحدة تفاعلا واسعا في الأوساط الإيرانية بين من يعتبره مؤامرة لتوريط البلاد وبالتالي لا بد من رفضه نهائيا، وبين شريحة أخرى تعتقد أنه الخيار الأمثل في ضوء غياب فرص إنقاذ الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
في السياق، يعتبر السفير الإيراني السابق في أرمينيا والبرازيل علي سقائيان المقترح الغربي بشأن التوصل إلى اتفاق مؤقت للنووي الإيراني “فخا غربيا” لتجميد أجزاء من برنامج طهران النووي، وتقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب مقابل وعود برفع أجزاء من العقوبات قد تعيدها واشنطن بين ليلة وضحاها، مؤكدا ضرورة عدم الوقوع في الفخ الغربي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى سقائيان أن الدعوة الغربية للتوصل إلى اتفاق مؤقت “نتيجة طبيعية للانفراجة في العلاقات الإيرانية السعودية، وفشل المؤامرة الغربية الرامية إلى زعزعة استقرار إيران عبر الاحتجاجات”، مشيرا إلى أن طهران كانت قد أخطرت الجانب الغربي بأن أبواب المفاوضات النووية لن تبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية.
وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان حذر في أواخر مارس/آذار الماضي من تفويت فرصة إحياء الاتفاق النووي، مؤكدا أن نواب البرلمان الإيراني سيمررون مشروع قانون يقضي بتحديد مدة زمنية للحكومة فيما يخص مفاوضات الملف النووي.
وخلص سقائيان إلى أن الاتفاق المؤقت لن يضمن مصالح الشعب الإيراني في ظل تجربة الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وتوقع أن يطالب الجانب الغربي باتفاقات جزئية لبرامجها الإستراتيجية الأخرى في حال موافقة طهران على اتفاق مؤقت لبرنامجها النووي.
الاقتصاد الوطني
في المقابل، يقرأ السفير الإيراني السابق في النرويج وسريلانكا وهنغاريا عبد الرضا فرجي راد الاتفاق المؤقت في سياق خطة واشنطن البديلة عقب فشل مفاوضات فيينا، مبينا أن الجانب الغربي أخرج خيار إحياء الاتفاق من أولوياته عقب الحرب الروسية على أوكرانيا والتقارير عن تعزيز التعاون العسكري بين موسكو وطهران.
ويوضح فرجي راد، للجزيرة نت، أن أوروبا والولايات المتحدة تعدّان التعاون الإيراني الروسي تهديدا للأمن الأوروبي واصطفافا بوجه حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، مشيرا إلى أن الجانب الغربي يعتبر مدّ روسيا إيران بالأسلحة الحديثة يخلّ بموازنة القوى في المنطقة.
وتابع الدبلوماسي الإيراني السابق أن إحياء اتفاق 2015 يمثل الأولوية بالنسبة للخارجية الإيرانية، مستدركا أنه على ضوء تراجع احتمالات إنقاذ الاتفاق النووي في الوقت الراهن لا بد من أخذ فكرة الاتفاق المؤقت على محمل الجد لإخراج الاقتصاد الوطني من أزمته.
ونفى فرجي راد أن يكون الاتفاق المؤقت خيارا سيئا لبلاده، وحثّ طهران على توظيف طاقاتها الدبلوماسية لكسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها، ورفع صادراتها من النفط من جهة، والإفراج عن أموالها المجمدة في الخارج من جهة أخرى.