أنقرة- استكمالا لمسيرة التطوير في مجال الطائرات المسيّرة، أنجزت تركيا حديثا المسيرة “عذاب” وهي طائرة دون طيار متعددة الاستخدامات، لما تتمتع به من مزايا تقنية وخصائص فنية.
وطورت الطائرة من قبل شركة “روبيت للتكنولوجيا” وهي شركة رائدة في هذا المجال بخبرة حوالي 15عاما، وتركزت جهودها في العامين الماضيين على مشروع تطوير المسيّرة الانتحارية بحلول مبتكرة.
وبحسب مدير المنتجات بالشركة سلجوق فرات، فقد اجتازت المسيّرة اختبارات الطيران بنجاح، وتتميز بجناحين بشكل دلتا، ومدى طيران كبير وقدرة حمولة عالية.
يأتي ذلك في سياق الاهتمام التركي بمجال الصناعات الدفاعية الوطنية، مع تجاوز الصادرات الدفاعية والفضائية التركية العام الماضي حاجز 4 مليارات دولار للمرة الأولى في تاريخها.
وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا بأن عدد الشركات التركية العاملة في مجال صناعات الدفاع قد ارتفع من 56 شركة عام 2002 إلى أكثر من ألفي شركة بنهاية عام 2022.
وتميزت الصناعة التركية بتطوير مشاريع المركبات الجوية وإخراج نماذج مختلفة من المركبات الجوية كان أبرزها “بيرقدار قزل ألما” وهي أول طائرة مقاتلة تركية مسيرة دون طيار.
كما أنتجت الصناعة التركية طائرات مسيرات متميزة أخرى تأتي في مقدمتها “بيرقدار آقينجي” و”بيرقدار تي بي 2″ و”أقسنقر” و”عنقاء” فضي عن “قارغو”.
الأولى من نوعها
المسيّرة هي الأولى من نوعها في سلاح الجو التركي، وأظهرت فعالية بفضل الخصائص التقنية والتشغيلية؛ فهي قادرة على حمل أنواع مختلفة من الذخيرة بما في ذلك الرؤوس الحربية المتوفرة لدى القوات المسلحة التركية أو غيرها، مما يمنحها إمكانية دمجها ضمن السلاح الجوي للدول الأخرى.
ومن المقرر إخضاع المسيّرة للاختبار بالذخيرة في الأشهر المقبلة، قبل أن تكون جاهزة للإنتاج بحلول منتصف أو أواخر العام الجاري.
وبحسب سلجوق فرات، تم تصميم الطائرة بنسختين بطول جناحي يبلغ 150 و200 سنتيمتر، ويمكن لطراز 200 أن تحمل حمولة تصل إلى 15 كيلوغراما ووزنها عند الإقلاع 50 كيلوغراما، كما يزن طراز 150 نحو 7 كيلوغرامات ويمكنه حمل 3 كيلوغرامات من الذخيرة.
يصل مدى المسيّرة إلى 500 كيلومتر، وبسرعة أعلى من 270 كيلومترا في الساعة، ويمكنها الطيران على ارتفاع من 300 إلى 3 آلاف متر.
كما يتكون هيكلها من مادة مركبة، تجعل إمكانية رصدها على رادار العدو أقل ما يمكن. كما يمكن تثبيت المسيّرة في 5 دقائق وإطلاقها عن طريق وضع الرمي، ويمكن نقلها بواسطة سيارة مدنية أو مركبة عسكرية.
يتم توجيه المسيّرة من خلال حاسوب شخصي عن طريق الكاميرا المزودة بها وبمدى اتصال يصل إلى 200 كيلومتر. ويمكن أيضا تشغيلها على وضع الطيار الآلي مع تشغيل الدفاعات الخاصة بها.
والمسيّرة “عذاب” مزودة بأجهزة استشعار، وأيضا لديها القدرة على تدمير نفسها بالكامل، في حال تم اعتراضها أو بعد إصابة الهدف وإنهاء مهمتها، ما يضمن الحفاظ على عدم تسرب أي بيانات للعدو.
وأعلن فرات أن قطاع الطائرات دون طيار حظي باهتمام بالغ على مستوى العالم، وأن هناك مفاوضات جارية بالفعل مع جهات رسمية في دولتين لم يحددهما أبدتا اهتماما بالحصول على المسيرة الجديدة “عذاب”.
دعما للسياسة الخارجية
من جهته، يقول الباحث والأكاديمي قان دفجي أوغلو إن استثمارات تركيا في مجال الصناعات الدفاعية التي زادت في السنوات الأخيرة، قد عززت مكانتها السياسية الدولية.
وأضاف العضو بمعهد الشرق الأوسط للدراسات “أورسام” بأنقرة، أن زيادة الاستثمارات التركية في المعدات الأمنية له آثار إيجابية من النواحي الاقتصادية والأمنية والسياسية، مضيفا أن “هذه المعدات التي تم اختبارها في مناطق الصراع في أفريقيا وكذلك في البلدان المجاورة لتركيا، أثبتت قدرتها بناء على تحليل التكلفة والعائد”.
وبحسب المتحدث، فإن الطلب الدولي متزايد على تركيا لكفاءة هذه المعدات، مما يعود بالفائدة على الاقتصاد التركي أيضا.
وأردف “تؤدي الزيادة في المعدات الأمنية الجديدة مثل المسيرة الانتحارية (عذاب) إلى تأثير مضاعف على القدرة السياسية والاقتصادية الحالية.. فإن امتلاك تركيا لمثل هذه المنتجات الإستراتيجية لا يعزز مكانتها في السياسة الدولية فحسب، بل يعمل أيضًا كرادع ضد التهديدات المحتملة”.
وأفاد بأنه “يمكن اعتبار المعدات الأمنية المذكورة كأحد العناصر الرئيسية الداعمة للسياسة الخارجية التركية”.
المسيرات الانتحارية
وبحسب تقارير دولية يشابه تصميم المسيّرة التركية “عذاب” نظيراتها من فئة المسيّرات الانتحارية الإيرانية، مثل شاهد 136 والتي تستخدمها روسيا في الحرب ضد أوكرانيا.
كما توجد نماذج أخرى مثل المسيّرة الإسرائيلية “هاروب”، والأميركيتين “ايروفيرمونت”، و”سويتشبليد” التي أصبحت تستخدمها أوكرانيا ضد روسيا.
وفي تصريح للجزيرة نت، قال مصدر من شركة “روبوتيك” إن “هيكل المسيّرة عذاب يختلف عن مسيرات إيران الانتحارية. نعم أجنحتهما على شكل دلتا، ولكن تثبيت جناحي عذاب في الهيكل مختلف، وهي مختلفة من حيث الهيكل والتصميم والاستخدام مما سيكون له تأثير على خصائص أخرى كثيرة مثل السرعة واستهلاك الوقود”.
وأضاف المصدر -فضل عدم الإفصاح عن اسمه لأنه غير مخول له الحديث للإعلام- أن الاستخدام اللوجيستي والتشغيلي مختلف كما أن استخدام الذخيرة مختلف.
وتابع “بالطبع، سيسهم هذا المنتج في صناعة الدفاع التركية، فقد تم تصميم عذاب كمنصة، وسيتم إنتاجها بطريقة تمكن إعادة تصميمها واستخدامها حسب الطلب والحاجة. ويمكن أيضًا تغيير خصائص الشكل والحجم والذخيرة، فوجود هذه الميزات هو نظام ضروري لصناعة الدفاع”.
ويمكّن الحجم الصغير للمسيرة من تثبيت أنواع مختلفة من الأسلحة بها مثل مدافع الهاون ومدافع الدبابات و”آر بي جي” (RPG)، بالإضافة إلى أنواع الذخائر المتوفرة لدى القوات التركية، كما يمكن في المستقبل تصميم نوع من الذخائر خاص بها.