يرى مراقبون أن ساحة جديدة أضيفت إلى مربعات الصراع بين روسيا والدول الغربية بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على خلفية اتهامه بالضلوع في جرائم حرب، وأخرى ضد الإنسانية ارتكبت تحت إمرته في أوكرانيا.
وبحسب هؤلاء، فإن القرار صب مزيدا من الزيت على نيران تتصاعد ألسنتها بين موسكو والعواصم الغربية التي رحبت بالقرار، إذ قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بوتين مبررة “فقد ارتكب بوضوح جرائم حرب”.
جاء ذلك على خلفية تصريحات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بأنه من الممكن محاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت ما، لأنه لا أحد فوق المحاسبة ممن يرتكبون أعمال إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب.
وكانت عواصم غربية قد رحبت بإصدار المحكمة مذكرتي توقيف ضد بوتين، فيما انتقدت موسكو المحكمة والقرار الصادر عنها بشدة.
خطوة خطيرة
وعن خطورة هذه الخطوة، قال السفير أندريه باكلانوف نائب رئيس جمعية الدبلوماسيين الروس -في حديثه لبرنامج “ما وراء الخبر” (2023/3/18)- إنها ستكون جولة جديدة تزيد العلاقة سوءا بين روسيا والغرب، رغم تأكيده أن هذا التطور كان متوقعا.
وأضاف باكلانوف أن توقع هذه الخطوة جعل المراقبين السياسيين لا يناقشون فحوى قرار المحكمة بالقدر الذي يبحثون فيه عما يجب على موسكو أن تقوم به لإيقاف مثل هذه الخطوات.
كما اعتبر أن الجانب الأميركي قام بالتنظيم لما وصفه بالعمل المسرحي، في إشارة إلى قرار المحكمة الدولية، مشددا في الوقت ذاته على أن القرار لم يؤثر على سير المعارك على الأرض الأوكرانية، لكنه جعل احتمال التسوية السياسية أمرا شبه مستحيل، وبذلك تكون النتيجة الطبيعية استمرار الحرب.
قانونية القرار
وبشأن قانونية هذا القرار، قالت المحامية السابقة في المحكمة الجنائية الدولية ديالا شحادة إنه رغم عدم تنفيذ القرار في القريب العاجل فإنه يحتوي على قيمة قانونية كبيرة، لأن قرارات التوقيف لا تسقط بمرور الزمن والتقادم، مشيرة إلى أن المحكمة الجنائية مستقلة تماما عن الأمم المتحدة وقرارات القضاة المتخذة على مستوى الدوائر القضائية.
ولفتت شحادة إلى أن الحالة الوحيدة التي يمكن فيها تأخير إجراءات المحكمة الدولية على المستوى القضائي هي اتفاق مجلس الأمن بإجماع الدول التي تملك حق الفيتو على إرجاء الإجراءات القضائية طالما أن الأمر يخدم صالح الأمن والسلم الدوليين، و”لكن هذه الحالة لم تحصل أبدا على مر التاريخ”، على حد ذكرها.
رد لاذع
أما على الصعيد الأميركي فرأى السفير وليام كورتني مساعد الرئيس الأميركي السابق لشؤون روسيا وأوكرانيا أن قرار المحكمة الجنائية سيسيئ إلى سمعة بوتين وروسيا، كما أنه سيساهم في إدراك روسيا أن العدوان على أوكرانيا يكلفها الكثير و”هذا ما قد يدفع بوتين لاتخاذ قرار منطقي بالانسحاب من كييف”.
ورأى أن هذا القرار يدعم التوافقات والوحدة بين الدول الغربية من أجل مساعدة أوكرانيا على صد العدوان الروسي، كما يدعم الموقف الموحد للغرب والعقوبات التي يفرضها على روسيا، وهذا ما يجعل تأثير الخطوة كبيرا.
من جهته، أكد مسؤول السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن قرار المحكمة الجنائية الدولية مجرد بداية لمحاسبة روسيا على جرائمها.
فيما جاء الرد الروسي لاذعا من عدة مستويات رسمية، إذ وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف القرار بالمستفز وغير المقبول، مشددا على أن ما صدر عن الجنائية الدولية لا قيمة ولا أهمية له على الإطلاق.
أما على الجانب الأوكراني فقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا إن جميع الدول التي وقعت على اتفاقية روما الأساسية ملزمة وفقا لمذكرة المحكمة الجنائية الدولية باحتجاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إذا كان داخل أراضيها.
وأضاف كوليبا في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن بوتين لأول مرة متهم قانونيا كمجرم حرب.