مراسلو الجزيرة نت
تتجه الأنظار اليوم إلى فنلندا التي تشهد انتخابات عامة لتشكيل حكومة جديدة، بعد 4 سنوات تحت قيادة أصغر رئيسة وزراء في العالم؛ “سانا مارين” التي تقلدت منصبها سنة 2019 وهي في سن 34 عاما.
وخلال السنوات الأربع الماضية جرت مياه كثيرة في سياسة فنلندا التي جعلتها الحرب في أوكرانيا نقطة إستراتيجية مهمة في مواجهة الغرب مع روسيا، ذلك أن فنلندا صاحبة أطول حدود برية مع روسيا، بطول 1340 كيلومترا.
ويتجه نحو 4.5 ملايين ناخب فنلندي اليوم للتصويت في هذه الانتخابات البرلمانية العامة التي من المفترض أن تُعلن نتائجها الرسمية يوم غد الاثنين.
ولعل أكبر تحول إستراتيجي عرفته فنلندا كان خلال العام الماضي، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ قررت هلسنكي الخروج من حالة الحياد العسكري، والسعي للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والرفع من ميزانية الدفاع بأكثر من 70%.
منافسة شرسة
تحافظ رئيسة الوزراء سانا مارين على شعبية مرتفعة في أوساط الفنلنديين، فقد أظهر استطلاع رأي لصحيفة “هيلسينغن سانومات” (the Helsingin Sanomat) أن 64% من الفنلنديين يرون أن رئيسة وزرائهم قامت بعمل جيد خلال ولايتها، ويرتفع هذا الدعم في صفوف النساء إلى 69%.
وفي أكثر من مرة وجدت رئيسة الوزراء نفسها في وجه عواصف مرتبطة بحياتها الخاصة، أبرزها انتشار فيديو لها وهي ترقص في ملهى ليلي، وهو ما دفع كثيرين إلى مطالبتها بإجراء اختبار لمعرفة إن كانت تتعاطى المخدرات، وبالفعل أجرت رئيسة الوزراء الاختبار الذي أظهر براءتها من تلك الاتهامات.
وتواجه مارين وحزبها الاشتراكي الديمقراطي منافسة شرسة للحفاظ على السلطة، حيث يتنافس 22 حزبا سياسيا على 200 مقعد في البرلمان. وحسب التوقعات الأولية، فإن 4 أحزاب ستتنافس على الأغلبية، وهي: الحزب الاجتماعي الديمقراطي، وحزب الوسط الفنلندي، وحزب الائتلاف الوطني، وأخيرا “حزب الفنلنديين” اليميني الشعبوي.
ومن المثير في هذه الانتخابات أن فنلندا قد تنتقل من حكومة بتوجهات يسارية إلى حكومة بتوجهات يمينية متطرفة، في حال نجاح “حزب الفنلنديين” في تصدّر الانتخابات، رغم إعلان عدد من الأحزاب رفض التحالف معه حال فوزه في للانتخابات.
وحسب آخر استطلاع رأي أجرته القناة الفنلندية “إيل” (Yle) قبل الدخول في مرحلة الصمت الانتخابي، فإن حزب الائتلاف الوطني الفنلندي سيحصل على 19.8% من الأصوات، بينما سيحصد “حزب الفنلنديين” اليميني المتطرف 19.5% من الأصوات، وسيحصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي على 18.7%، وذلك يعني أن كلا من الأحزاب الثلاثة سيكون عليه عقد تحالفات مع أحزاب أخرى، علما بأن التحالف الحكومي الحالي الذي تقوده سانا مارين يتألف من 5 أحزاب.
الانضمام للناتو
حضرت الحرب الأوكرانية حضورا مباشرا في الحملة الانتخابية، من خلال موضوعين رئيسين أولهما مسار الانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، والثاني هو الزيادة في الإنفاق العسكري.
وفجّر الدعم العسكري لأوكرانيا جدلا واسعا كاد أن يهوي بأسهم رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين التي قالت في زيارة لها إلى أوكرانيا إن هناك محادثات أولية من أجل تقديم طائرات مقاتلة من طراز “إف/إيه 18 هورنيت” إلى الجيش الأوكراني، في تصريحات أحدثت صدمة في أوساط الفنلنديين، وتبرّأ منها وزير الدفاع الفنلندي الذي أكد عدم وجود محادثات بهذا الشأن في الوقت الحالي، وكذلك فعل رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الذي نفى نية بلاده إرسال طائرات إلى أوكرانيا.
وانقلب موقف الفنلنديين من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، فقبل الحرب في أوكرانيا كان أغلب الفنلنديين يعارضون الانضمام إلى حلف الناتو ويفضلون البقاء على سياسة الحياد العسكري، لكن بعد اندلاع الحرب أظهر استطلاع للرأي أنجزته الصحيفة الفنلندية “إلتا سانومات” (Ilta-Sanomat) أن 78% من الفنلنديين باتوا يؤيدون الانضمام لحلف الناتو ودعم المعسكر الغربي.
ويحسب لرئيسة الوزراء الفنلندية أنها من بدأ إجراءات انضمام بلادها لحلف الناتو، التي أصبحت شبه أكيدة، خصوصا بعد تصويت البرلمان التركي على الموافقة على انضمام فنلندا للحلف الذي يشترط موافقة جميع أعضائه على انضمام أي دولة جديدة.
ديون بسبب الإنفاق العسكري وكورونا
أما الإنفاق العسكري فتحول إلى موضوع جدلي خلال الحملة الانتخابية، بعد قرار فنلندا زيادة 2.2 مليار دولار لميزانية الإنفاق العسكري سنة 2022، وذلك لرفع جاهزية الجيش.
غير أن هذه الزيادة مع الإنفاق خلال جائحة كورونا لمساعدة المواطنين والإنفاق للتقليص من ارتفاع فواتير الطاقة أدت إلى ارتفاع المديونية العامة في البلاد إلى 157 مليار دولار (نحو 73% من الناتج الداخلي).
ومع ذلك، فإن الائتلاف الحاكم حاليا قد وعد بمواصلة الاقتراض من أجل زيادة الإنفاق العسكري لمواجهة التحديات العسكرية التي فرضتها الحرب في أوكرانيا.
كذلك ستصاحب قضية التضخم التي بلغت في البلاد نسبة 8.8% كل ناخب إلى صندوق الاقتراع، بعد أن كانت موضوعا رئيسا للحملة الانتخابية.